أجلك».
وقوله (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) أي مالا ، قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وأبو العالية وعطية العوفي والضحاك والسدي والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم.
ثم منهم من قال : الوصية مشروعة سواء قل المال أو كثر كالوراثة ومنهم من قال : إنما يوصي إذا ترك مالا جليلا ، ثم اختلفوا في مقداره ، فقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه ، قال : قيل لعلي رضي الله عنه : إن رجلا من قريش قد مات وترك ثلاثمائة دينار أو أربعمائة ولم يوص؟ قال : ليس بشيء إنما قال الله (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) وقال أيضا : وحدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ، حدثنا عبدة يعني ابن سليمان ، عن هشام بن عروة عن أبيه : إن عليا دخل على رجل من قومه يعوده ، فقال له : أوصي؟ فقال له علي : إنما قال الله (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) إنما ترك شيئا يسيرا فاتركه لولدك.
وقال الحاكم (١) بن أبان حدثني عن عكرمة عن ابن عباس (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) قال ابن عباس : من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا ، قال الحاكم (٢) : قال طاوس : لم يترك خيرا من لم يترك ثمانين دينارا ، وقال قتادة : كان يقال : ألفا فما فوقها.
وقوله (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالرفق والإحسان ، كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار ، حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن قوله (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) فقال : نعم الوصية حق على كل مسلم أن يوصي إذا حضر الموت بالمعروف غير المنكر. والمراد بالمعروف أن يوصي لأقربيه وصية لا تجحف بورثته من غير إسراف ولا تقتير ، كما ثبت في الصحيحين أن سعدا قال : يا رسول الله ، إن لي مالا ولا يرثني إلا ابنة لي ، أفأوصي بثلثي مالي؟ قال : «لا» قال : فبالشطر؟ قال «لا» قال : فالثلث؟ قال «الثلث والثلث كثير ، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس». وفي صحيح البخاري (٣) أن ابن عباس قال : لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «الثلث والثلث كثير» وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن زياد بن عتبة بن حنظلة سمعت حنظلة بن جذيم بن حنيفة : أن جده حنيفة أوصى ليتيم في حجره بمائة من الإبل ، فشق ذلك على بنيه فارتفعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال حنيفة : إني أوصيت ليتيم لي بمائة من الإبل كنا نسميها المطية ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «لا لا لا ، الصدقة خمس وإلا فعشر وإلا فخمس عشرة وإلا فعشرون وإلا فخمس وعشرين وإلا فثلاثون وإلا فخمس وثلاثون فإن كثرت فأربعون» وذكر الحديث بطوله.
__________________
(١) كذا. والصواب : الحكم بن أبان ـ انظر موسوعة رجال الكتب التسعة ١ / ٣٧٠.
(٢) صحيح البخاري (جنائز باب ٣٦ ؛ ووصايا باب ٢ و ٣ ؛ ونفقات باب ١ ؛ وفرائض باب ٦)