مسكينا ، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم فهو خير ، وإن صام فهو أفضل من الإطعام ، قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وطاوس ومقاتل بن حيان وغيرهم من السلف ، ولهذا قال تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا المسعودي حدثنا عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال ، فأما أحوال الصلاة فإن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ، ثم إن الله عزوجل أنزل عليه : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) [البقرة : ١٤٤] ، فوجهه الله إلى مكة هذا حول ، قال : وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا ، حتى نقسوا أو كادوا ينقسون (١) ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد بن عبد ربه أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إني رأيت فيما يرى النائم ، ولو قلت إني لم أكن نائما لصدقت ، إني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة ، فقال : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ـ مثنى ـ حتى فرغ من الأذان ، ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذي قال غير أنه يزيد في ذلك : قد قامت الصلاة مرتين قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «علمها بلالا فليؤذن بها» فكان بلال أول من أذن بها ، قال : وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، قد طاف بي مثل الذي طاف به ، غير أنه سبقني فهذان حالان ، قال : وكانوا يأتون الصلاة وقد سبقهم النبي صلىاللهعليهوسلم ببعضها ، فكان الرجل يشير إلى الرجل إذن كم صلى؟ فيقول : واحدة أو اثنتين فيصليهما ، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم ، قال : فجاء معاذ فقال : لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ، ثم قضيت ما سبقني ، قال : فجاء وقد سبقه النبي صلىاللهعليهوسلم ببعضها ، قال : فثبت معه فلما قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قام فقضى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إنه قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا» فهذه ثلاثة أحوال ، وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ، ثم إن الله فرض عليه الصيام ، وأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) إلى قوله (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا ، فأجزأ ذلك عنه ، ثم إن الله عزوجل أنزل الآية الأخرى (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة : ١٨٥] إلى قوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة : ١٨٥] فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ، فهذان حالان ، قال : وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا
__________________
(١) النّقس : الضرب بالناقوس ، وهي خشبة طويلة تضرب بخشية أصغر منها ، وكان النصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم.