ناموا امتنعوا ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة ، ظل يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام ، فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما ، فرآه رسول الله وقد جهد جهدا شديدا ، فقال «ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا؟» قال : يا رسول الله ، إني عملت أمس فجئت حين جئت ، فألقيت نفسي فنمت ، فأصبحت صائما ، قال : وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر له ذلك ، فأنزل الله عزوجل : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) ـ إلى قوله ـ (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١) [البقرة : ١٨٧].
وأخرجه أبو داود في سننه ، والحاكم في مستدركه من حديث المسعودي به ، وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت : كان عاشوراء يصام ، فلما نزل فرض رمضان ، كان من شاء صام ومن شاء أفطر ، وروى البخاري عن ابن عمر وابن مسعود مثله.
وقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) كما قال معاذ رضي الله عنه: كان في ابتداء الأمر من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا ، وهكذا روى البخاري عن سلمة بن الأكوع أنه قال لما نزلت (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) : كان من أراد أن يفطر يفادي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها ، وروي أيضا من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : هي منسوخة ، وقال السدي عن مرة عن عبد الله ، قال : لما نزلت هذه الآية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال : يقول (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أي يتجشمونه ، قال عبد الله : فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا (فَمَنْ تَطَوَّعَ) يقول : أطعم مسكينا آخر (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) فكانوا كذلك حتى نسختها (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة : ١٨٥].
وقال البخاري أيضا : أخبرنا إسحاق ، حدثنا روح ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء : سمع ابن عباس يقرأ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال ابن عباس : ليست منسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا ، وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث بن سوار ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : نزلت هذه الآية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ، ثم ضعف فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا.
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا الحسين بن بهرام المخزومي ، حدثنا وهب بن بقية ، حدثنا خالد بن عبد الله عن ابن أبي ليلى ، قال : دخلت على
__________________
(١) مسند أحمد (ج ٥ ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧)