[الثالثة] قالت طائفة منهم الشافعي : الصيام في السفر أفضل من الإفطار لفعل النبيصلىاللهعليهوسلم كما تقدم ، وقالت طائفة. بل الإفطار أفضل أخذا بالرخصة ولما ثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه سئل عن الصوم في السفر ، فقال : «من أفطر فحسن ، ومن صام فلا جناح عليه» وقال في حديث آخر «عليكم برخصة الله التي رخص لكم» وقالت طائفة : هما سواء لحديث عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : يا رسول الله ، إني كثير الصيام أفأصوم في السفر؟ فقال «إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر» وهو في الصحيحين ، وقيل : إن شق الصيام فالإفطار أفضل ، لحديث جابر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى رجلا قد ظلل عليه فقال : «ما هذا»؟ قالوا : صائم ، فقال «ليس من البر الصيام في السفر» أخرجاه ، فأما إن رغب عن السنة ورأى أن الفطر مكروه إليه ، فهذا يتعين عليه الإفطار ، ويحرم عليه الصيام ، والحالة هذه لما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره عن ابن عمر وجابر وغيرهما : من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة.
[الرابعة] القضاء هل يجب متتابعا أو يجوز فيه التفريق فيه قولان : [أحدهما] أنه يجب التتابع لأن القضاء يحكى الأداء. [والثاني] لا يجب التتابع بل إن شاء فرق وإن شاء تابع ، وهذا قول جمهور السلف والخلف ، وعليه ثبتت الدلائل لأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه في الشهر ، فأما بعد انقضاء رمضان ، فالمراد صيام أيام عدة ما أفطر ، ولهذا قال تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ثم قال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا ابن هلال عن حميد بن هلال العدوي ، عن أبي قتادة عن الأعرابي الذي سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقول «إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره».
وقال أحمد (٢) أيضا : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم بن هلال ، حدثنا غاضرة بن عروة الفقيمي ، حدثني أبي عروة ، قال : كنا ننتظر النبي صلىاللهعليهوسلم فخرج رجلا (٣) يقطر رأسه من وضوء أو غسل ، فصلى ، فلما قضى الصلاة جعل الناس يسألونه : علينا حرج في كذا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن دين الله في يسر» ـ ثلاثا يقولها ـ ورواه الإمام أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث مسلم بن إبراهيم عن عاصم بن هلال به.
وقال الإمام أحمد (٤) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو التياح سمعت أنس بن مالك يقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يسروا ولا تعسروا وسكنوا وتنفروا» أخرجاه في الصحيحين.
__________________
(١) مسند أحمد (ج ٣ ص ٤٧٩)
(٢) المسند (ج ٥ ص ٦٩)
(٣) أي كان شعره رجلا. وترجيل الشعر : إرساله بالمشط. ويأتي بمعنى تجعيده.
(٤) المسند (ج ٣ ص ١٣١)