أنت من وصال آل محمد من السحر إلى السحر».
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا إسرائيل عن عبد الأعلى ، عن محمد بن علي ، عن علي : أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يواصل من السحر إلى السحر.
وقد روى ابن جرير عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف : أنهم كانوا يواصلون الأيام المتعددة ، وحمله منهم على أنهم كانوا يفعلون ذلك رياضة لأنفسهم لا أنهم كانوا يفعلونه عبادة ، والله أعلم. ويحتمل أنهم كانوا يفهمون من النهي أنه إرشاد من باب الشفقة ، كما جاء في حديث عائشة : رحمة لهم ، فكان ابن الزبير وابنه عامر ومن سلك سبيلهم يتجشمون ذلك ويفعلونه ، لأنهم كانوا يجدون قوة عليه ، وقد ذكر عنهم أنهم كانوا أول ما يفطرون على السمن والصبر لئلا تتخرق الأمعاء بالطعام أولا ، وقد روي عن ابن الزبير أنه كان يواصل سبعة أيام ويصبح في اليوم السابع أقواهم وأجلدهم.
وقال أبو العالية : إنما فرض الله الصيام بالنهار ، فإذا جاء بالليل فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل.
قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان ، فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلا أو نهارا حتى يقضي اعتكافه وقال الضحاك كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء ، فقال الله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) أي لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد ولا في غيره. وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد : أنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت هذه الآية ، قال ابن أبي حاتم : روي عن ابن مسعود ومحمد بن كعب ومجاهد وعطاء والحسن وقتادة والضحاك والسدي والربيع بن أنس ومقاتل ، قالوا : لا يقربها وهو معتكف. وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفا في مسجده ، ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بد له منها فلا يحل له أن يثبت فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك من قضاء الغائط او الأكل ، وليس له أن يقبل امرأته ولا أن يضمها إليه ، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه ، ولا يعود المريض لكن يسأل عنه وهو مار في طريقه.
وللاعتكاف أحكام مفصلة في بابها ، منها ما هو مجمع عليه بين العلماء ومنها ما هو مختلف فيه ، وقد ذكرنا قطعة صالحة من ذلك في آخر كتاب الصيام ، ولله الحمد والمنة ، ولهذا كان الفقهاء المصنفون يتبعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف اقتداء بالقرآن العظيم ، فإنه نبه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم. وفي ذكره تعالى ، الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام أو في آخر شهر الصيام ، كما ثبتت في السنة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله عزوجل ، ثم اعتكف أزواجه من بعده ، أخرجاه من