فيما لا يليق بهم ، أسخطوا الله عليهم بسبب هذا الاعتداء. والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا.
ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال ، نبه تعالى على أن ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله ، أبلغ وأشد وأعظم وأطم من القتل ، ولهذا قال : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) قال أبو مالك : أي ما أنتم مقيمون عليه أكبر من القتل. ولهذا قال : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ، يقول الشرك أشد من القتل.
وقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) كما جاء في الصحيحين «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، ولم يحل إلا ساعة من نهار وإنها ساعتي هذه ، حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجره ولا يختلي خلاه ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم» ، يعني بذلك صلوات الله وسلامه عليه قتاله أهله يوم فتح مكة ، فإنه فتحها عنوة وقتلت رجال منهم عند الخندمة (١) ، وقيل صلحا لقوله «من أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن».
وقوله : (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) يقول تعالى : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدؤوكم بالقتال فيه ، فلكم حينئذ قتالهم وقتلهم دفعا للصيال ، كما بايع النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه يوم الحديبية تحت الشجرة على القتال ، لما تألبت عليه بطون قريش ومن والاهم من أحياء ثقيف والأحابيش عامئذ ، ثم كف الله القتال بينهم فقال (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) [الفتح : ٢٤] وقال (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ، لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [الفتح : ٢٥].
وقوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فإن تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوبة ، فإن الله يغفر ذنوبهم ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه ، ثم أمر الله بقتال الكفار (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، أي شرك قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : سئل النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» وفي الصحيحين «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا
__________________
(١) الخندمة : جبل بمكة.