بذلك والله أعلم. وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن حتى رد الله عليهم ذلك بقوله (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي اكتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقالوا : لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري وفي بعض الروايات : لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. وقال تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً) [الفرقان : ٦٠] والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله بالرحمن. قال ابن جرير : وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهال : [الطويل]
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها |
|
ألا قضب الرحمن ربي يمينها (١) |
وقال سلامة بن جندل الطهوي (٢) : [الطويل]
عجلتم علينا إذ عجلنا عليكم |
|
وما يشإ الرحمن يعقد ويطلق (٣) |
وقال ابن جرير (٤) : حدثنا أبو كريب عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال الرحمن الفعلان من الرحمة هو من كلام العرب وقال (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الرفيق الرقيق لمن (٥) أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه ، وكذلك أسماؤه كلها. وقال ابن جرير (٦) أيضا : حدثنا محمد بن بشار حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن الحسن قال : الرحمن اسم ممنوع. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو الأشهب عن الحسن قال الرحمن اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه تسمى به تبارك وتعالى. وقد جاء في حديث أم سلمة أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم كان يقطّع قراءته حرفا حرفا (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فقرأ بعضهم كذلك وهم طائفة ومنهم من وصلها بقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). وكسرت الميم لالتقاء الساكنين وهم الجمهور ، وحكى الكسائي من الكوفيين عن بعض العرب أنها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة فيقولون (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها كما قرئ قول الله تعالى : (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) قال ابن عطية : ولم ترد هذه قراءة عن أحد فيما علمت.
__________________
(١) البيت بلا نسبة في الطبري ١ / ٨٦ ؛ والمخصص لابن سيده ١٧ / ١٥٢.
(٢) كذا أيضا في أصول تفسير الطبري ، كما أشار محقق طبعة دار المعارف بمصر ١ / ١٣١ ، حاشية (٣).
قال : وهو خطأ ، إذ ليس سلامة طهويا. وصححها بالسعدي. قلت : ولعل الحافظ ابن كثير تابع الطبري في هذا الخطأ ، إذ ينقل عنه في هذا المقام.
(٣) البيت لسلامة بن جندل في ديوانه ص ١٩ ؛ وتفسير الطبري ١ / ٨٦.
(٤) تفسير الطبري ١ / ٨٥.
(٥) في الطبري : «الرقيق الرفيق بمن أحب».
(٦) الطبري ١ / ٨٨.