هذه الآية الكريمة رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة ما دامت في العدة ، فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات قصرهم الله إلى ثلاث طلقات ، وأباح الرجعة في المرة والثنتين ، وأبانها بالكلية في الثالثة ، فقال (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) قال أبو داود رحمهالله في سننه [باب نسخ المراجعة بعد الطلقات الثلاث]. حدثنا أحمد بن محمد المروزي ، حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) الآية ، ودل أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا ، فنسخ ذلك فقال (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) الآية ، ورواه النسائي عن زكريا بن يحيى عن إسحاق بن إبراهيم عن علي بن الحسين به.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا هارون بن إسحاق ، حدثنا عبدة يعني ابن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن رجلا قال لامرأته : لا أطلقك أبدا ولا آويك أبدا ، قالت : كيف ذلك؟ قال : أطلق حتى إذا دنا أجلك راجعتك ، فأتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذكرت ذلك له ، فأنزل الله عزوجل (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ، وهكذا رواه ابن جرير في تفسيره من طريق جرير بن عبد الحميد وابن إدريس ، ورواه عبد بن حميد في تفسيره عن جعفر بن عون ، كلهم عن هشام عن أبيه ، قال : كان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها ما شاء ما دامت في العدة ، وإن رجلا من الأنصار غضب على امرأته ، فقال : والله لا آويك ولا أفارقك ، قالت : وكيف ذلك؟ قال : أطلقك ، فإذا دنا أجلك راجعتك ، ثم أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك فذكرت ذلك لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله عزوجل (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) قال : فاستقبل الناس الطلاق من كان طلق ومن لم يكن طلق. وقد رواه أبو بكر بن مردويه من طريق محمد بن سليمان عن يعلى بن شبيب مولى الزبير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة فذكره بنحو ما تقدم. ورواه الترمذي عن قتيبة ، عن يعلى بن شبيب به ، ثم رواه عن أبي كريب ، عن ابن إدريس ، عن هشام. عن أبيه مرسلا ، وقال : هذا أصح. ورواه الحاكم في مستدركه من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب عن يعلى بن شبيب به ، وقال : صحيح الإسناد.
ثم قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن عائشة ، قالت : لم يكن للطلاق وقت يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة ، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس ، فقال : والله لأتركنك لا أيما ولا ذات زوج ، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ، ففعل ذلك مرارا ، فأنزل الله عزوجل فيه (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) فوقت الطلاق ثلاثا لا رجعة فيه بعد الثالثة حتى تنكح زوجا غيره. وهكذا روي عن قتادة مرسلا ، ذكره السدي وابن زيد وابن