وقد روي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ، أنها كانت ترى رضاع الكبير يؤثر في التحريم ، وهو قول عطاء بن أبي رباح والليث بن سعد ، وكانت عائشة تأمر بمن تختار أن يدخل عليها من الرجال لبعض نسائها ، فترضعه ، وتحتج في ذلك بحديث سالم مولى أبي حذيفة حيث أمر النبي صلىاللهعليهوسلم امرأة أبي حذيفة أن ترضعه وكان كبيرا ، فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة ، وأبى ذلك سائر أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ، ورأين ذلك من الخصائص ، وهو قول الجمهور ، وحجة الجمهور وهم الأئمة الأربعة ، والفقهاء السبعة ، والأكابر من الصحابة ، وسائر أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، سوى عائشة ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «انظرن من إخوانكم فإنما الرضاعة من المجاعة» وسيأتي الكلام على مسائل الرضاع وفيما يتعلق برضاع الكبير ، عن قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) [النساء : ٢٣].
وقوله : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف ، أي بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهن من غير إسراف ولا إقتار ، بحسب قدرته في يساره ، وتوسطه وإقتاره ، كما قال تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) [الطلاق : ٧] قال الضحاك : إذا طلق زوجته وله منها ولد ، فأرضعت له ولده ، وجب على الوالد نفقتها وكسوتها بالمعروف.
وقوله : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) أي بأن تدفعه عنها لتضر أباه بتربيته ، ولكن ليس لها دفعه إذا ولدته حتى تسقيه اللبن الذي لا يعيش بدون تناوله غالبا ، ثم بعد هذا لها دفعه عنها إذا شاءت ، ولكن إن كانت مضارة لأبيه ، فلا يحل لها ذلك ، كما لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضرار لها ، ولهذا قال : (وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) أي بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضرارا بها ، قاله مجاهد وقتادة والضحاك والزهري والسدي والثوري وابن زيد وغيرهم.
وقوله تعالى : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) قيل : في عدم الضرار لقريبه ، قاله مجاهد والشعبي والضحاك ، وقيل : عليه مثل ما على والد الطفل من الإنفاق على والدة الطفل والقيام بحقوقها وعدم الإضرار بها ، وهو قول الجمهور ، وقد استقصى ذلك ابن جرير (١) في تفسيره ، وقد استدل بذلك من ذهب من الحنفية والحنبلية إلى وجوب نفقة الأقارب بعضهم على بعض ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وجمهور السلف ، ويرجح ذلك بحديث الحسن عن سمرة مرفوعا «من ملك ذا رحم محرم ، عتق عليه» وقد ذكر أن الرضاعة بعد الحولين ربما ضرت الولد إما في بدنه أو في عقله. وقال سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة : أنه رأى امرأة ترضع بعد الحولين ، فقال : لا ترضعيه.
__________________
(١) تفسير الطبري ٢ / ٥١٣ ـ ٥١٩.