والموت هو المنون ، قال عدي بن زيد العبادي : [الوافر]
فقدمت الأديم لراهشيه |
|
فألفى قولها كذبا ومينا (١) |
والكذب هو المين ، وقد نص سيبويه شيخ النحاة على جواز قول القائل : مررت بأخيك وصاحبك ، ويكون الصاحب هو الأخ نفسه ، والله أعلم ، وأما إن روي على أنه قرآن ، فإنه لم يتواتر فلا يثبت بمثل خبر الواحد قرآن ، ولهذا لم يثبته أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في المصحف ، ولا قرأ بذلك أحد من القراء الذين تثبت الحجة بقراءتهم ، لا من السبعة ولا من غيرهم.
ثم قد روي ما يدل على نسخ هذه التلاوة المذكورة في هذا الحديث ، قال مسلم : حدثنا إسحاق بن راهويه ، أخبرنا يحيى بن آدم عن فضيل بن مرزوق ، عن شقيق بن عقبة ، عن البراء بن عازب ، قال : نزلت «حافظوا على الصلوات وصلاة العصر» فقرأناها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما شاء الله ، ثم نسخها الله عزوجل ، فأنزل (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) فقال له زاهر رجل كان مع شقيق : أفهي العصر؟ قال : قد حدثتك كيف نزلت ، وكيف نسخها الله عزوجل. قال مسلم : ورواه الأشجعي عن الثوري ، عن الأسود ، عن شقيق (قلت) : وشقيق هذا لم يرو له مسلم سوى هذا الحديث الواحد ، والله أعلم ، فعلى هذا تكون هذه التلاوة وهي تلاوة الجادة ناسخة للفظ رواية عائشة وحفصة ولمعناها إن كانت الواو دالة على المغايرة ، وإلا فلفظها فقط ، والله أعلم.
وقيل : إن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب ، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس ، وفي إسناده نظر ، فإنه رواه عن أبيه عن أبي الجماهير عن سعيد بن بشير ، عن قتادة عن أبي الخليل ، عن عمه ، عن ابن عباس ، قال : صلاة الوسطى المغرب. وحكى هذا القول ابن جرير ، عن قبيصة بن ذؤيب ، وحكى أيضا عن قتادة على اختلاف عنه ، ووجه هذا القول بعضهم بأنها وسطى في العدد بين الرباعية والثنائية ، وبأنها وتر المفروضات ، وبما جاء فيها من الفضلية ، والله أعلم.
وقيل : إنها العشاء الأخير ، اختاره علي بن أحمد الواحدي في تفسيره المشهور ، وقيل : هي واحد من الخمس لا بعينها وأبهمت فيهن ، كما أبهمت ليلة القدر في الحول أو الشهر أو العشر ، ويحكى هذا القول عن سعيد بن المسيب وشريح القاضي ونافع مولى ابن عمر ، والربيع بن خيثم ، ونقل أيضا عن زيد بن ثابت واختاره إمام الحرمين الجويني في نهايته.
وقيل : بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس ، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر ، وفي صحته أيضا نظر ، والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمرو بن عبد البر النمري إمام
__________________
(١) البيت لعدي بن زيد في ذيل ديوانه ص ١٨٣ ؛ والأشباه والنظائر ٣ / ٢١٣ ؛ وجمهرة اللغة ص ٩٩٣ ؛ والدرر ٦ / ٧٣ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٦ ؛ والشعر والشعراء ١ / ٢٣٣ ؛ ولسان العرب (مين)