الصلاة كان بمكة قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة ، كما دل على ذلك حديث ابن مسعود الذي في الصحيح ، قال : كنا نسلم على النبي صلىاللهعليهوسلم قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة فيرد علينا ، قال : فلما قدمنا سلمت عليه فلم يرد علي ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فلما سلم قال «إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة ، وإن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة» وقد كان ابن مسعود ممن أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ، ثم قدم منها إلى مكة مع من قدم فهاجر إلى المدينة ، وهذه الآية (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) مدنية بلا خلاف ، فقال قائلون : إنما أراد زيد بن أرقم بقوله : كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة ، الإخبار عن جنس الكلام ، واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها ، والله أعلم.
وقال آخرون : إنما أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ، ويكون ذلك قد أبيح مرتين وحرم مرتين ، كما اختار ذلك قوم من أصحابنا وغيرهم ، والأول أظهر ، والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى : أخبرنا بشر بن الوليد ، أخبرنا إسحاق بن يحيى عن المسيب ، عن ابن مسعود ، قال كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ، فمررت برسول الله صلىاللهعليهوسلم فسلمت عليه ، فلم يرد علي ، فوقع في نفسي أنه نزل فيّ شيء فلما قضى النبي صلىاللهعليهوسلم صلاته قال «وعليك السلام أيها المسلم ورحمة الله ، إن الله عزوجل يحدث من أمره ما يشاء ، إذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تكلموا».
وقوله (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) ، لما أمر تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات والقيام بحدودها ، وشدد الأمر بتأكيدها ذكر الحال الذي يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه الأكمل ، وهي حال القتال والتحام الحرب ، فقال (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) أي فصلوا على أي حال كان رجالا أو ركبانا يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، كما قال مالك عن نافع : أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ، ثم قال : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ، قال نافع : لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ورواه البخاري ـ وهذا لفظه ومسلم (١) ـ ، ورواه البخاري من وجه آخر عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمرو عن النبي صلىاللهعليهوسلم نحوه أو قريبا منه ، ولمسلم أيضا عن ابن عمر ، قال : فإن كان خوف أشد من ذلك ، فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء.
وفي حديث عبد الله بن أنيس الجهني لما بعثه النبي صلىاللهعليهوسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي ليقتله ، وكان نحو عرفة أو عرفات ، فلما واجهه حانت صلاة العصر ، قال فخشيت أن تفوتني فجعلت
__________________
(١) صحيح البخاري (تفسير سورة ، باب ٤٤) ومسلم (مسافرين حديث ٣٠٥ ـ ٣٠٧)