ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١) : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا إسحاق ، عن الصباح بن محمد عن مرة الهمداني ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد ، حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا وما بوائقه يا نبي الله؟ قال غشه وظلمه ، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان إلى النار ، إن الله لا يمحو السيء بالسيء ، ولكن يمحو السيء بالحسن ، إن الخبيث لا يمحوا الخبيث» والصحيح القول الأول.
قال ابن جرير (٢) رحمهالله : حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي ، حدثني أبي عن أسباط عن السدي ، عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضي الله عنه ، في قول الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) الآية ، قال : نزلت في الأنصار ، كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها أقناء البسر فعلقوه على حبل ، بين الأسطوانتين في مسجد رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فيأكل فقراء المهاجرين منه ، فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر ، يظن أن ذلك جائز ، فأنزل الله فيمن فعل ذلك (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) ، ثم رواه ابن جرير وابن ماجة وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه من طريق السدي ، عن عدي بن ثابت عن البراء بنحوه ، وقال الحاكم : صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ولم يخرجاه.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل عن السدي عن أبي مالك عن البراء رضي الله عنه ، (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) قال : نزلت فينا ، كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته ، فيأتي الرجل بالقنو فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاء فضربه بعصاه فسقط منه البسر والتمر ، فيأكل ، وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو فيه الحشف والشيص ، فيأتي بالقنو قد انكسر فيعلقه ، فنزلت (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) قال : لو أن أحدكم أهدي له مثل ما أعطى ما أخذه إلا على إغماض وحياء ، فكنا بعد ذلك يجيء الرجل منا بصالح ما عنده ، وكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن عبيد الله هو ابن موسى العبسي ، عن إسرائيل عن السدي ، وهو إسماعيل بن عبد الرحمن ، عن أبي مالك الغفاري واسمه غزوان ، عن البراء فذكر نحوه ، ثم قال وهذا حديث حسن غريب.
__________________
(١) المسند (ج ١ ص ٣٨٧)
(٢) تفسير الطبري ٣ / ٨٢.