وقوله (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم ، كما قال تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) [الفتح : ٢٩] وقال (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد : ٣٠] وفي الحديث الذي في السنن «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» ثم قرأ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [الحجر : ٧٥].
وقوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) أي لا يلحون في المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه ، فإن سأل وله ما يغنيه عن المسألة ، فقد ألحف في المسألة ، قال البخاري (١) : حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شريك بن أبي نمر أن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، قالا : سمعنا أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ، اقرؤا إن شئتم يعني قوله (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المديني ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار وحده ، عن أبي هريرة به ، وقال أبو عبد الرحمن النسائي (٢) : أخبرنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل ، أخبرنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة به ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، إنما المسكين المتعفف ، اقرءوا إن شئتم (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) وروى البخاري من حديث شعبة ، عن محمد بن أبي زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي اللهصلىاللهعليهوسلم نحوه.
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن أبي الوليد ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «ليس المسكين بالطواف عليكم فتطعمونه لقمة لقمة ، إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا».
وقال ابن جرير : حدثني معتمر عن الحسن بن ماتك ، عن صالح بن سويد ، عن أبي هريرة ، قال : ليس المسكين بالطوّاف الذي ترده الأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين المتعفف في بيته لا يسأل الناس شيئا تصيبه الحاجة ، اقرءوا إن شئتم (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً).
وقال الإمام أحمد (٣) أيضا : حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ، عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه : ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما يسأله الناس؟ فانطلقت أسأله فوجدته قائما يخطب ، وهو يقول «ومن استعف أعفه الله ، ومن استغنى أغناه الله ، ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق ، فقد سأل الناس إلحافا» فقلت بيني وبين نفسي : لناقة لي خير
__________________
(١) صحيح البخاري (تفسير سورة ، باب ٤٨)
(٢) سنن النسائي (زكاة باب ٢٤)
(٣) المسند (ج ٤ ص ١٣٨)