[مسألة] والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما ، وذلك أن الضاد نخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم ، وأما حديث أنا أفصح من نطق بالضاد فلا أصل له والله أعلم.
[فصل في معاني هذه السورة]
اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات على حمد الله وتمجيده والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه والتبرؤ من حولهم وقوتهم إلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية تبارك وتعالى وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل ، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم وتثبيتهم عليه حتى يفضي بهم بذلك إلى جواز الصراط الحسّي يوم القيامة المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء الصالحين ، واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة ، والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة ، وهم المغضوب عليهم والضالون. وما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة كما قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) [المجادلة : ١٤]. وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به وإن كان هو الذي أضلهم بقدره كما قال تعالى (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [الكهف : ١٧] وقال (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأعراف : ١٨٦] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال لا كما تقول الفرقة القدرية (١) ومن حذا حذوهم من أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلون ويحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن ويتركون ما يكون فيه صريحا في الرد عليهم: وهذا حال أهل الضلال والغي وقد ورد في الحديث الصحيح «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» يعني في قوله تعالى(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ
__________________
(١) القدرية : جماعة من التابعين قالوا بحرية الإرادة وقدرة الإنسان على أعماله. رددوا هذا في الشام والعراق ، وكان على رأسهم معبد الجهني وغيلان الدمشقي ، وهم ضد الجبرية. مهدوا للمعتزلة وتلاشوا فيهم. ويسمى المعتزلة أحيانا القدرية. أما الجبرية منهم طائفة ظهرت في القرن الأول الهجري وكان على رأسهم جهم بن صفوان ، ويسمون أيضا الجهمية ؛ يقولون إن الإنسان مجبر لا اختيار له ولا قدرة وأن الله قدر الأعمال أزلا وخلقها. عارضهم المعتزلة لأنهم يعطلون الجزاء ويلغون المسئولية. (انظر الموسوعة العربية الميسرة ص ٦١٢ و ١٣٧١)