بقيتهما ، ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام والله أعلم.
قال القرطبي : وفي الحديث «من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة» الحديث قالشقيق(١) هو أن يقول في اقتل «اق» ، [كما قال عليهالسلام : «كفى بالسيف شا» معناه : شافيا] (٢). وقال خصيف عن مجاهد أنه قال : فواتح السور كلها (ق وص وحم وطسم والر) وغير ذلك هجاء موضوع (٣). وقال بعض أهل العربية : هي حروف من حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفا كما يقول القائل: ابني يكتب في ـ ا ب ت ث ـ أي في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغنى بذكر بعضها عن مجموعها حكاه ابن جرير (٤).
قلت مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا وهي ـ ا ل م ص ر ك ه ي ع ط س ح ق ن ـ يجمها قولك : نص حكيم قاطع له سر. وهي نصف الحروف عددا والمذكور منها أشرف من المتروك وبيان ذلك من صناعة التصريف. قال الزمخشري : وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ، ومن الرخوة والشديدة ، ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ، ومن حروف القلقلة. وقد سردها مفصلة ثم قال : فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته. وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله ومن هاهنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلاما فقال : لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى ، ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأ كبيرا ، فتعين أن لها معنى في نفس الأمر ، فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به وإلا وقفنا حيث وقفنا وقلنا (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين وإنما اختلفوا فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه وإلا فالوقف حتى يتبين. هذا مقام.
المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي؟ مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها ، فقال بعضهم : إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور ، حكاه ابن جرير وهذا ضعيف لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه وفيما ذكرت فيه البسملة تلاوة وكتابة. وقال آخرون بل ابتدئ بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن حتى إذا استمعوا له تلي عليهم المؤلف منه حكاه ابن جرير أيضا وهو ضعيف لأنه لو كان
__________________
(١) في الأصل : «سفيان». وما أثبتناه عن القرطبي ١ / ١٥٦.
(٢) الزيادة من القرطبي.
(٣) الطبري ١ / ١٢٠.
(٤) روى ابن جرير أربعة أحاديث بهذا المعنى عن مجاهد (تفسير الطبري ١ / ١١٨ ـ ١١٩)