في كلامهم. وقد حكاه البخاري عن معمر بن المثنى عن أبي عبيدة وقال الزمخشري : ذلك إشارة إلى (الم) كما قال تعالى (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨] وقال تعالى (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) [الممتحنة : ١٠] وقال (ذلِكُمُ اللهُ) [غافر : ٦٢] وأمثال ذلك مما أشير به إلى ما تقدم ذكره والله أعلم. وقد ذهب بعض المفسرين فيما حكاه القرطبي (١) وغيره أن ذلك إشارة إلى القرآن الذي وعد الرسول صلىاللهعليهوسلم بإنزاله عليه أو التوراة أو الإنجيل أو نحو ذلك في أقوال عشرة. وقد ضعف هذا المذهب كثيرون والله أعلم.
والكتاب : القرآن. ومن قال : إن المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والإنجيل كما حكاه ابن جرير (٢) وغيره فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وتكلف ما لا علم له به. والريب : الشك. قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم (لا رَيْبَ فِيهِ) : لا شك فيه ، وقال أبو الدرداء وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء وأبو العالية والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان والسدي وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد وقال ابن أبي حاتم : لا أعلم في هذه خلافا. وقد يستعمل الريب في التهمة قال جميل : [الطويل]
بثينة قالت يا جميل أربتني |
|
فقلت كلانا يا بثين مريب (٣) |
واستعمل أيضا في الحاجة كما قال بعضهم : [الوافر]
قضينا من تهامة كل ريب |
|
وخيبر ثم أجمعنا السيوفا (٤) |
ومعنى الكلام هنا أن هذا الكتاب هو القرآن لا شك فيه أنه نزل من عند الله كما قال تعالى في السجدة (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الآية : ٢] وقال بعضهم : هدى خبر ، ومعناه النهي أي لا ترتابوا فيه. ومن القراء من يقف على قوله تعالى (لا رَيْبَ) ويبتدئ بقوله تعالى (فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) والوقف على قوله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ) أولى للآية التي ذكرناها ولأنه يصير قوله تعالى (هُدىً) صفة للقرآن وذلك أبلغ من كون فيه هدى. وهدى يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعا على النعت ومنصوبا على الحال. وخصت الهداية للمتقين كما قال (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٤٤] (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الإسراء : ٨٢] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع
__________________
(١) تفسير القرطبي ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨.
(٢) تفسير الطبري ١ / ١٢٩.
(٣) رواه أيضا القرطبي (١ / ١٥٩) شاهدا على هذا المعنى.
(٤) البيت لكعب بن مالك الأنصاري في ديوانه ص ٢٣٤ ؛ ولسان العرب (ريب) ؛ وتاج العروس (ريب) ؛ وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٢ / ١٦٤ ؛ ومجمل اللغة ٢ / ٤٤٠ ؛ والقرطبي ١ / ١١٥٩.