يتعالى الله عنه في اعتقاده ، ولو فهم قوله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥] وقوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام : ١١٠] وما أشبه من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق ، وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح ، فلو أحاط علما بهذا لما قال ما قال والله أعلم.
قال القرطبي (١) : وأجمعت الأمة على أن الله عزوجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) [النساء : ١٥٥] وذكر حديث تقليب القلوب «اللهمّ يا مثبّت القلوب ثبت قلوبنا على دينك» وذكر حديث حذيفة الذي في الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مرباد (٢) كالكوز مجخيا (٣) لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا» الحديث (٤) ، قال ابن جرير : والحق عندي في ذلك ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو ما حدثنا به محمد بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر (٥) صقل قلبه ، وإن زاد زادت حتى تعلو (٦) قلبه فذلك الران الذي قال الله تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٧). وهذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة والليث بن سعد وابن ماجة عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم ثلاثتهم عن محمد بن عجلان به. وقال الترمذي : حسن صحيح. ثم قال ابن جرير : فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع فلا يكون للإيمان إليها مسلك ، ولا للكفر عنها مخلص فذلك هو الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) نظير الختم والطبع على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها فكذلك
__________________
(١) تفسير القرطبي ١ / ١٨٧.
(٢) أي اختلط سواده بكدرة.
(٣) مجخّيا : مائلا.
(٤) تفسير القرطبي ١ / ١٨٩ ، وصحيح مسلم (إيمان حديث ٢٣١)
(٥) في الأصل «واستعتب». وما أثبتناه عن الطبري.
(٦) في الطبري «تغلق».
(٧) سورة المطففين ، الآية : ١٤. والحديث في تفسير الطبري ١ / ١٤٥. ورواه أحمد في المسند (ج ٣ ص ١٥٤) عن صفوان بن عيسى بهذا الإسناد.