الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) [النساء : ١٠٥] وقال تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل : ٦٤] وقال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٤٤] ولهذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» يعني السنة. والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن وقد استدل الإمام الشافعي رحمهالله تعالى وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك.
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه ، فإن لم تجده فمن السنة كما قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : «فبم تحكم؟ قال : بكتاب الله. قال : فإن لم تجد؟ قال : بسنة رسول الله ، قال : فإن لم تجد؟ قال : أجتهد رأيي ، قال : فضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صدري وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» (١) وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه. وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح حدثنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال : قال عبد الله يعني ابن مسعود : والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت. ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته (٢). وقال الأعمش أيضا عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. وقال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلىاللهعليهوسلم فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.
ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم له حيث قال : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار وحدثنا وكيع حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم قال : قال عبد الله يعني ابن مسعود : نعم ترجمان القرآن ابن عباس. ثم رواه عن يحيي بن داود عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن الأعمش عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال : نعم الترجمان للقرآن (٣) ابن عباس. ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش به
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند (ج ٥ ص ٢٣٠ ، ٢٣٦ ، ٢٤٢) من حديث معاذ بن جبل.
(٢) تفسير الطبري ١ / ٦٠. وفيه «فيم نزلت» في موضع «فيمن نزلت».
(٣) في الطبري ١ / ٦٥ : «نعم ترجمان القرآن» أي بنص الحديث الذي قبله.