تعالى ، فقال موسى : رب لم أظن أن يرفع علي أحد ، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله عزوجل حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى ، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى الله إليه فيما يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة.
ثم هبط به حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال : يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال : «عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة» قال : إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم. فالتفت النبي صلىاللهعليهوسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار جبريل أن نعم إن شئت ، فعلا به إلى الجبار تعالى وتقدس فقال وهو في مكانه : «يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا» فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع إلى موسى فاحتبسه ، فلم يزل يرده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه ، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا ، فارجع فليخفف عنك ربك ، كل ذلك يلتفت النبي صلىاللهعليهوسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل.
فرفعه عند الخامسة فقال «يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم فخفف عنا» فقال الجبار تبارك وتعالى : يا محمد. قال «لبيك وسعديك» قال : إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب ، فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب ، وهي خمس عليك ، فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت؟ فقال «خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها» قال موسى : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ، فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا موسى قد والله استحييت من ربي عزوجل مما أختلف إليه» قال : فاهبط باسم الله.
قال : واستيقظ وهو في المسجد الحرام (١).
هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد ، ورواه في صفة النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر عبد الحميد عن سليمان بن بلال. ورواه مسلم عن هارون بن سعيد عن ابن وهب عن سليمان قال فزاد ونقص وقدم وأخر ، وهو كما قال مسلم فإن شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه كما سيأتي بيانه إن شاء الله في الأحاديث الأخر ، ومنهم من يجعل هذا مناما توطئة لما وقع بعد ذلك والله أعلم.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي في حديث شريك زيادة تفرد بها ، على مذهب من زعم أنه صلىاللهعليهوسلم رأى الله عزوجل يعني قوله ، (ثُمَّ دَنا) الجبار رب العزة (فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٥ ، والتوحيد باب ٣٧ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٦٣.