وعزّتك ، لئن لم تخرج لي سمكة ، فيها ثلاثة أرطال لأغرقنّ نفسي. قال :فخرجت لي سمكة فيها ثلاثة أرطال.
فبلغ : ذلك الجنيد ، فقال : كان حكمه أن تخرج له أفعى فتلدغه (١).
وعن أبي الحسين قال : سبيل الفانين الفناء في محبوبهم ، وسبيل الباقين البقاء ببقائه. ومن ارتفع عن الفناء والبقاء ، فحينئذ لا فناء ولا بقاء (٢).
وعن القنّاد قال : كتبت إلى النّوريّ وأنا حدث :
وإذا كان كلّ المرء في الكلّ فانيا (٣) |
|
أبن لي عن أيّ الوجودين يخبر |
(٤) فأجاب لوقته :
إذا كنت فيما ليس بالوصف فانيا |
|
فوقتك في الأوصاف عندي تحيّر(٥) |
وقد ذكر ابن الأعرابيّ أبا الحسين النّوريّ فقال : مضيت يوما أنا ورويم بن أحمد ، وأبو بكر العطّار نمشي على شاطئ نهر. فإذا نحن برجل في مسجد بلا سقف. فقال رومي : ما أشبه هذا بأبي الحسين النّوريّ.
فملنا إليه ، فإذا هو هو ، فسلّمنا ، وعرفنا ، وذكر أنّه ضجر من الرّقّة فانحدر ، وأنّه الآن قدم ، ولا يدري أين يتوجّه. وكان قد غاب عن بغداد أربع عشرة سنة. فعرضنا عليه مسجدنا ، فقال : لا أريد موضعا فيه الصّوفيّة ، قد
__________________
(١) حلية الأولياء ١٠ / ٢٥١ ، وانظر : تاريخ بغداد ٥ / ١٣٢ ، ١٣٣.
(٢) يسبق هذا القول في الحلية ١٠ / ٢٥٣ : «أعلى مقامات أهل الحقائق انقطاعهم عن الخلائق ، وسبيل المحبّين التّلذّذ بمحبوبهم ، وسبيل الراجين التأميل لمأمولهم ، وسبيل الفانين ...»
وقد علّق المؤلّف الذهبي ـ رحمهالله ـ على هذا القول في : «سير أعلام النبلاء» ١٣ / ٧٢ بقوله :
«هذا يحتاج إلى شرح طويل ، وتحرّز عن الفناء الكلبيّ ، ومرادهم بالفناء ، فناء الأوصاف النفسانية ونحوها ، ونسيانها بالاشتغال بالله تعالى وبعبادته ، فإنّ ذات العارف وجسده لا ينعدم ما عاش ، والكون وما حوى فمخلوق ، والله خالق كل شيء ومبدعه ، أعاذنا الله وإيّاكم من قول «الاتّحاد ، فإنّه زندقة».
(٣) في الحلية ١٠ / ٢٥٣.
إذا كان الكلّ في النور فانيا.
(٤) في : الحلية : «أخبر».
(٥) حلية الأولياء ١٠ / ٢٥٤.