ضجرت منهم. فلم يزل يطلب إليه حتّى طابت نفسه ، وكان قد غلبت عليه السّوداء وحديث النّفس ، ثمّ ضعف بصره وانكسر قلبه ، وفقد إخوانه ، فاستوحش من كلّ أحد ، ثمّ إنّه تأنّس (١).
قال أبو نعيم (٢) : سمعت أبا الفرج الورثانيّ : سمعت عليّ بن عبد الرحيم يقول : دخلت على النّوريّ ، فرأيت رجليه منتفختين ، فسألته (٣) ، فقال : طالبتني نفسي بأكل التّمر ، فجعلت أدافعها ، فتأبى عليّ ، فخرجت واشتريت ، فلمّا أن أكلت قلت لها : قومي فصلّي (٤). فأبت. فقلت : لله عليّ (٥) إن قعدت على الأرض أربعين يوما ، فما قعدت (٦).
وقال بعضهم عن النّوريّ قال : من رأيته يدّعي مع الله حالة تخرج عن الشّرع ، فلا تقترب منه (٧).
قال ابن الأعرابيّ في ترجمة النّوريّ : فسألنا أبو الحسين عن نصر بن رجاء ، وعثمان ، وكانا صديقين له ، إلّا أنّ نصرا تنكّر له ، فقال : ما أخاف ببغداد إلّا من نصر فعرّفوه أنّه بخلاف ما فارقه ، فجاء معنا إلى نصر.
فلمّا دخل مسجده قام نصر ، وما أبقى في إكرامه غاية ، وبتنا عنده ، ولمّا كان يوم الجمعة ركبنا مع نصر زورقا من زوارقه إلى باب خراسان ، ثمّ صرنا إلى الجنيد ، فقام القوم وخرجوا ، وأقبل عليه الجنيد يذاكره ويمازحه ، فسأله ابن مسروق مسألة ، فقال : عليكم بأبي القاسم. فقال الجنيد : أجب يا أبا الحسين أرجو أن يسمعوا جوابك. فقال : أنا قادم ، وأنا أحبّ أن أسمع.
فتكلّم الجنيد والجماعة والنّوريّ ساكت ، فعرضوا عليه ليتكلّم فقال : لقد
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٤ / ٧٤.
(٢) في الحلية ١٠ / ٢٥١.
(٣) في الحلية : «فسألته عن أمره».
(٤) في الحلية : «قومي حتى تصلّي».
(٥) كرّرها في الحلية : «عليّ وعليّ».
(٦) الخبر أيضا في : تاريخ بغداد ٥ / ١٣٢ ، وسير أعلام النبلاء ١٤ / ٧١ وفسّر قوله : «فما قعدت» ـ يعني إلّا في الصلاة.
(٧) سير أعلام النبلاء ١٤ / ٧٢.