لعلمت كما يعلم وجود الأنبياء ووجود الأقطار التى لم تشاهد كالصين وقيروان المغرب ، ووجود الوقائع كحرب بدر وصفين ، ولا يشترك الناس فى دركه ، حتى كان لا يقدر أحد على أن يشكك فيه نفسه ، وليس يخفى أن الأمر فى هذه الدعاوى بالضد ، إذ لو كلف الإنسان أن يتسع لتجويز ما قالوه وإمكانه لم يتمكن ، بل علم قطعا خلافه ، فكيف يتصور الطمع فى إثباته! وكيف يتواقحون على دعواه وقد اختلف القائلون بوجوب الإمام المعصوم فى جماعة من الأئمة بزعمهم أنه خلف ولدا أو لم يخلف ؛ واختلفوا فى تعيين الإمامة فى بعضهم ؛ واختلفوا فى ظهوره ، فقال قائلون : الإمام موجود ولكنه ليس يظهر تقية ، وقال آخرون هو ظاهر ؛ فكيف خالفهم أصحابهم؟! وإن كانوا قد عرفوا ذلك بنص متواتر فكيف قبلوه من الآحاد إن لم يكن متواترا ، وقول الآحاد لا يورث إلا الظن؟! فاستبان أن ما ذكروه طمع فى غير مطمع ، وفزع إلى غير مفزع. ومثالهم فى الفرار من مسلك النظر إلى مسلك النص مثال من يميل من البلل إلى الغرق ؛ فإن المسلك الأول أقرب إلى التلبيس من هذا المسلك.
فإن قال قائل : قد طولتم الأمر عليهم وأحرجتموهم إلى إثبات النص على عليّ ، ثم إثبات النص من كل واحد من أعقابه ولدا ولدا ؛ ثم صحة نسبه ؛ ثم استفاضة هذه الأخبار أولا ووسطا وآخرا ، وهم يستغنون عن جميع ذلك بخبر واحد وهو أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الإمامة بعدى لعلى وبعده لأولاده لا تخرج من نسبى ، ولا ينقطع نسبى أصلا ، ولا يموت واحد منهم قبل توليته العهد لولده» ـ وهذا القدر يكفيهم ـ قلنا : نعم! يكفيهم هذا القدر إن كان كل ما يخطر بالبال ويوافق شهوة الضلال يمكن اختراعه ونقله متواترا ، ولكن هذا على هذا الوجه لم يقع ولا نقل ، ولا ادعى مدّع وقوعه ، معتقدا بالباطل ولا على سبيل العناد ، فضلا عن أن ينطق به عن الاعتقاد. ونقل هذا النص ودعوى التواتر فيه كدعوى من نقل مضاده وهو أن الإمامة ليست لعلى بعدى وإنما هى لأبى بكر ، وإنما تكون بعده بالاختيار والشورى ؛ وأن من ادّعى النصّ أو اختصاص الإمامة بأولاده من سائر قريش فهو