كاذب مبطل. فكما نعلم أن هذا الخبر لم يكن ولم ينقل ـ لا آحادا ولا تواترا ـ نعلم ذلك فما يناقضه. ومهما فتح باب الاختراع اشترك فى الاقتدار عليه كل من يحاول اللجاج والنزاع ، وذلك مما لا يستحله ذوو الدين أصلا.
فإن قال قائل : هذه الدعاوى لا تستتب لهؤلاء ؛ فهل تستتب للإمامية فى دعوى النص على عليّ رضى الله عنه؟ ـ قلنا : لا ؛ إنما الّذي يستتب لهم دعوى ألفاظ محتملة نقلها الآحاد. فأما اللفظ الّذي هو نص صريح ، فلا. ودعوى التواتر أيضا لا يمكن ، وتيك الألفاظ كما رووا أنه قال : «من كنت مولاه فعلىّ مولاه» (١) ، وقوله : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» (٢) ـ إلى غير ذلك من الألفاظ المحتملة ، لا تجرى مجرى النصوص الصريحة. فأما دعوى النص الصريح المتواتر فمحال من وجوه موضع استقصائها فى كتاب الإمامة من علم الكلام ، وليس من غرضنا الآن ، ولكنا نذكر استحالته بمسلكين : أحدهما أنه لو كان ذلك متواترا لما شككنا فيه ، كما لم يشك فى وجود عليّ ـ رضى الله عنه ، ولا فى انتصابه للخلافة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا فى أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالصلاة والصيام والزكاة والحج. فإن قوله ـ عليهالسلام! ـ فى التنصيص على الخلافة بعده على ملأ من الناس ليس قولا يستحقر فيستر ولا يتساهل فى سماعه فيهمل ، بل تتوفر الدواعى على إشاعته ، ولا تسمح النفوس بإخفائه والسكوت عنه ، ولم تسمح بالسكوت عن أخبار وأحوال تقع دون ذلك فى الرتبة. فهذا قاطع فى بطلان دعواهم الخبر المتواتر. وعلى هذه الجملة فلا تتميز دعواهم عن دعوى البكرية (٣) حيث قالوا : إن النبي صلىاللهعليهوسلم نص على أبى بكر ـ رضى الله عنه! ـ نصا صريحا متواترا ، ولا عن دعوى الروندية (٤) إذ قالوا إنه نصّ على العباس نصا متواترا ، وهذه الأقاويل
__________________
(١) رواه البخارى ومسلم.
(٢) رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائى وتمام الحديث : [... إلّا أنه لا نبى بعدى].
(٣) البكرية : نسبة إلى أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ أى الذين قالوا بالنص على إمامته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(٤) الروندية : الذين قالوا بإمامة العباس بن عبد المطلب وأولاده من بعده نصا متواترا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.