متعارضة لأنها لم تعرف ولم تظهر بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند الخوض فى الإمامة.
فلا تبقى بعد ذلك ريبة فى بطلان هذه الدعوى.
المسلك الثانى : أن الذين نازعوا فى إمامة أبى بكر وتصدوا للنضال عن عليّ ـ رضى الله عنهما ـ تمسكوا فى نصرته بألفاظ محتملة نقلها آحاد ، كقوله عليهالسلام : «من كنت مولاه فعلىّ مولاه» ، وقوله : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» ، وكيف سكتوا عن النص المتواتر الّذي لا يتطرق التأويل إلى متنه والطعن على سنده! ومعلوم أن النفوس فى مثل هذه المثارات تضطرب بأقصى الإمكان ولا تتعلق بالشبه إلا عند العجز عن البرهان ، فهذا أيضا يعرف المنصف ضرورة كذب المخترعين لهذه الأمور ، وإنما هداهم إلى اختراع دعوى النص المتواتر طائفة من الملحدين أرادوا الطعن على الدين ، وهم الذين لقنوا اليهود أن ينقلوا عن موسى نصا بأنه خاتم النبيين وأنه قال لليهود : «عليكم بالسبت ما دامت السموات والأرضون». وكان سبيلنا فى الردّ عليهم أن اليهود ، مع ما جرى عليهم من الذل والإرقاق والسبى للذرارى والأولاد وتخريب البلاد وسفك الدماء فى طول زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) ، كانوا يحتالون بكل حيلة فى طمس شريعته وتطفئة نوره ودفع استيلائه ؛ فلم لم ينقلوا عن موسى عليهالسلام ذلك ، ولم لم يقولوا له : ما جئت إلا بتصديق موسى وأنه قال : أنا خاتم النبيين. ومعلوم أن الدواعى تتوافر على نقل مثل ذلك توفرا لا يطاق السكوت معه ؛ وقد كان فيهم الأحبار والمتقدمون ، وكلهم كانوا مضطرين تحت القهر والذل ، متعطشين إلى دفع حجته
__________________
(١) لقد هادنهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحالفهم وعقد معهم العقود عند هجرته إلى المدينة لكنهم غدروا ونقضوا ؛ بنو قينقاع وبنو النضير ، وبنو قريظة ؛ ثم اتخذوا من خيبر منطلق تآمر على المسلمين ؛ وحاربهم جميعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتى أجلاهم عن المدينة وخيبر.