ولم يقع القصد به إلى إثبات شيء وإدخاله تحت قدرته ونفي ضده عنها ، فإنّ الخير والشر صادران عن خلقه وقدرته لا موجد لشيء من خلقه غيره ، وقد يضاف محاسن الأمور ومحامد الأفعال إلى الله ـ عزوجل ـ عند الثناء عليه دون مساويها ومذامها كقوله : (وَإِذا مَرِضْتُ / فَهُوَ يَشْفِينِ) (١) وكقوله : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) (٢) ولم يضف سبب وقوعه في السجن إليه ، وكما يضاف معاظم الخليقة إليه عند الثناء والدعاء فيقال : ربّ السموات والأرضين ، كما يقال : يا ربّ الأنبياء والمرسلين ، ولا يحسن أن يقال : يا ربّ الكلاب ويا ربّ القردة والخنازير ونحوها من سفل الحيوان وحشرات الأرض ، وإن كانت إضافة جميع المكونات إليه من جهة خلقه لها والقدرة عليها شاملة لجميع أصنافها ، وروينا عن أبي إبراهيم المزني ـ رحمهالله ـ في معناه قريبا من هذا ، فقال : هو موضع تعظيم كما لا يقال : يا خالق العذرة.
٤٠٠ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ، قال : سمعت العبّاس بن محمّد الدوريّ ، يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : قال النضر بن شميل : والشر ليس إليك تفسيره والشر لا يتقرب به إليك.
وذكر أبو عبد الله الحليميّ ـ رحمهالله ـ أنّ معناه أنّ الإحسان منك وإليك أي أنّ ما يصيبنا من خير وحسنى فأنت موليه والمنعم به ، وما يكون منّا من طاعة وفعل حسن فأنت المقصود وعبادتك هي مرادة منه ، فأمّا ما يصيبنا من شر وسوء فإنّه وإن كان منك ـ أيضا ـ فإنّ شرور أنفسنا وهي ما يقع في أعمالنا من سيئ وقبيح ، فلست المقصود به ، أي ليس غرض المسيء منّا في إساءته خلافك وعصيانك ، كما أنّ غرض المحسن منّا في إحسانه طاعتك وعبادتك ، وإنّما هو غفلة تعرض فيتبع المسيء فيها شهوته من غير أن يكون العصيان قصده وإرادته ، ولو قصد ذلك لضاهى إبليس وكان من المتكبرين ، فإنّما هذا
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآية رقم (٨٠).
(٢) سورة يوسف ، الآية رقم (١٠٠).