ويجاب على الإيراد بأن «المراد نوعان» :
الأول : مراد لنفسه :
وهو المطلوب المحبوب لذاته وما فيه من الخير ، فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد.
الثاني : مراد لغيره :
وهو ما لا يكون مقصودا للمريد ، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته ، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده ، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته ، مراد له من حيث إفضاؤه وإيصاله إلى مراده ، فيجتمع فيه الأمران : بغضه وإرادته ، ولا يتنافيان ، لاختلاف متعلقهما.
وهذا كالدواء الكرية ، إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه ، وقطع العضو المتآكل ، إذا علم أن في قطعه بقاء جسده ، وكقطع المسافة الشاقة ، إذا علم أنّها توصل إلى مراده ومحبوبه ، بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظنّ الغالب ، وإن خفيت عنه عاقبته ، فكيف بمن لا يخفى عليه خافية.
فهو سبحانه يكره الشيء ، ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره ، وكونه سببا إلى أمر هو أحبّ إليه من فوته.
ومن ذلك : أنه خلق إبليس ، الذي هو مادّة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات ، وهو سبب لشقاوة كثير من العباد ، وعلمهم بما يغضب الربّ تبارك وتعالى ، وهو السّاعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه ، ومع هذا ، فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للربّ تعالى ترتبت على خلقه ، ووجودها أحبّ إليه من عدمها :
منها : أنها تظهر للعباد قدرة الرّب تعالى على خلق المتضادات المتقابلات ، فخلق هذه الذات التي هي أخبث الذوات وشرّها ، وهي سبب كل شر في مقابلة ذات جبريل ، التي هي من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها ، وهي مادة كل خير ، فتبارك خالق هذا وهذا. كما ظهرت قدرته في خلق الليل والنهار ، والدّاء والدواء ، والحياة والموت ، والحسن والقبيح ، والخير والشر. وذلك أدلّ دليل على