القول الثالث : قول الأشاعرة ـ ومن وافقهم ـ وهؤلاء وإن خالفوا خصومهم المعتزلة ووافقوا أهل السنّة والجماعة فقالوا : إنّ الله خالق أفعال العباد ، إلّا أنّهم قالوا في قدرة العبد وإرادته واستطاعته قولا لم يسبقهم إليه أحد.
إذ قالوا : إن للعبد قدرة على إحداث فعله ـ وهذا حق ـ ولكنّهم زعموا أن هذه قدرة لا تأثير لها في إحداث الفعل البتة ، وهذا ما يعبرون عنه ب «الكسب» وهو ما وصفه العلّامة ابن قيم الجوزية بأنّه «لفظ لا معنى له ولا حاصل تحته» (١).
بل هو كلام متناقض غير معقول ، فإنّ القدرة إذا لم يكن لها تأثير أصلا في الفعل كان وجودها كعدمها ، ولم تكن قدرة ، إذا من محالات العقول إثبات قدرة لا أثر لها بوجه البتة ، بل هو كنفي القدرة أصلا (٢) ، وهو ما اعترف به عدد من محققي المذهب الأشعري أنفسهم (٣).
ولذا سخر منهم خصومهم المعتزلة وسائر العقلاء فقالوا : ثلاثة أشياء لا حقيقة لها : طفرة النظّام ، وأحوال أبي هاشم ، وكسب الأشعريّ (٤).
الأمر الذي اضطربت معه أقوال اتباعه واختلفت حتى ذهب كل منهم إلى رأي ، وفرّ إلى قول ، لما رأوا ما في هذا القول من التناقض (٥).
فنحا فريق منهم إلى التصريح بحقيقة المذهب ـ وهو الجبر ـ واقترب البعض من مذهب أهل السنّة (٦) ، وسعى آخرون إلى النهوض
__________________
(١) «شفاء العليل» (ص ٣١٣).
(٢) كالإيجي ، والجويني ، والرازي وغيرهم وانظر : «العلم الشامخ» للمقبليّ (ص ٢٦٤).
(٣) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٨) و (٨ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧).
(٤) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٨).
(٥) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٨).
(٦) كأبي المعالي الجويني في «العقيدة النظامية» (ص : ٤٣ ـ ٥٦).