بالمذهب الأشعري من عثرته وتوجيه قول إمامهم أبي الحسن الأشعري في «الكسب» كيما يخالف النصوص النقلية والأدلة العقلية ، وكان منهم أبو بكر الباقلاني وأبو حامد الغزالي اللذان تحرّزا وتجملا بتعبيرات وتفسيرات كلامية متعددة ، لم تجد القبول حتى بين بني جنسهم ، ومن يتكلم بلسانهم من أهل الكلام.
واستقر مذهبهم على ما نحا إليه جمهورهم من أن للعبد قدرة لا تأثير لها في مقدورها ، ولا في صفة من صفاتها!!
وحقيقة هذا القول يعود إلى قول الجهميّة الجبرية ، يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة : «ولا يقول ـ أي الأشعري ـ إن العبد فاعل في الحقيقة بل كاسب ، ولم يذكروا بين الكسب والفعل فرقا معقولا ، بل حقيقة قولهم قول جهم : أن العبد لا قدرة له ، ولا فعل ولا كسب» (١).
ويعود سبب تناقض الأشاعرة في هذه المسألة إلى مسائل أخرى من أهمها مسألتين :
المسألة الأولى :
قولهم : إن الفعل هو المفعول ، والخلق هو المخلوق ، وعدم تفريقهم بين ما يقوم بالله من الأفعال ، وما هو منفصل عنه ، وجعلهم كلّها أفعال الله.
«والتحقيق الذي علية أئمة السنّة وجمهور الأمة من الفرق بين الفعل والمفعول ، والخلق والمخلوق».
فأفعال العباد هي كغيرها من المحدثات مخلوقة مفعولة لله ، كما أن نفس العبد وسائر صفاته مخلوقة مفعولة لله ، وليس ذلك نفس خلقه وفعله ، بل هي مخلوقة ومفعوله ، وهذه الأفعال هي فعل العبد القائم به ، ليست قائمة بالله ولا يتصف بها ، فإنّه لا يتصف بمخلوقاته ومفعولاته ، وإنّما يتصف بخلقه وفعله كما يتصف بسائر ما يقوم بذاته ، والعبد فاعل لهذه الأفعال وهو المتصف بها ، وله عليها قدرة ، وهو
__________________
(١) «النبوات» (ص ١٦٦).