المطلب الرابع
خلق أفعال العباد
أفعال العباد كلها ـ حسنها وسيئها ـ داخلة في خلق الله ـ عزوجل ـ وقضائه ، وقدره ، فلا يقع في هذا الكون شيء إلّا وهو خالقه ، كما قال تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (١).
وهذه المسألة وإن كانت داخلة في عموم أدلة المرتبة الرابعة من مراتب القدر السابقة الذكر ، إلّا أني أفردتها لأهميتها ؛ إذ هي المسألة التي صار الناس لأجلها ـ في باب القضاء والقدر ـ فرقا وأحزابا.
وهنا متعلقان بالمسألة :
المتعلق الأول : بالخالق ـ عزوجل.
وفي هذا المتعلق قال أهل السنّة والجماعة ومن وافقهم ـ ولو ظاهرا ـ من الجبرية الجهميّة والأشاعرة : إن الله ـ عزوجل ـ هو خالق أفعال العباد ، كما قال تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٢) ، وكما في غيرها من الأدلة المتقدمة في أدلة المرتبة الرابعة من مراتب القدر.
ونفت المعتزلة القدرية أن يكون الله ـ عزوجل ـ خالق أفعال العباد ، وزعموا أنّ العباد هم الذين يخلقون أفعالهم ، فأثبتوا خالقين كقول المجوس ، فكانوا مجوس هذه الأمة (٣) (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) (٤).
__________________
(١) سورة الصافات ، الآية رقم (٩٦).
(٢) سورة الصافات ، الآية رقم (٩٦).
(٣) إذ قال المجوس بأصلين هما : النور والظلمة ، وزعموا أن الخير من فعل النور ، والشر من فعل الظلمة وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله ، والشر إلى غيره والله سبحانه وتعالى خالق الخير والشر لا يكون شيء منهما إلّا بمشيئته.
(٤) سورة البقرة ، الآية رقم (١١٨).