وكيف يجوز أن نقول : حكم الإلجاء مقصور على المضار الحاصلة. وعندنا ان هاهنا ضربا من الإلجاء بغير المضار ، وهو أن يعلم الله تعالى القادر أنه متى رام الفعل منعه منه.
فإذا قالوا : ان الإلجاء إذا لم يكن بالمنع ـ وهو وجه الذي ذكرتموه ـ فلا يكون بالمضار.
قلنا : إذا كان الإلجاء فلا يكون بالمضار وقد يكون بالوجه الذي سميتموه ، فألا جاز ثلاث وهو الوضع الذي أشرنا إليه ، لمساواته في الحكم للوجهين اللذين ذكرتموهما ، لأن الوجهين اللذين عنيتم انما كان لهما حكم الإلجاء لخلوه من الصارف والقطع على أن الفعل لا يجوز البتة وقوعه ، وهنا ثابت فيما ذكرناه.
فان قالوا : قد ثبت أن أحدنا لو استغنى بحسن عن قبيح ـ بأن يقدر وصول صاحبه الى درهم يعلم أنه يصل اليه بكل واحد من الصدق والكذب ـ فانا نعلم أنه لا يختار وحاله هذه الا الصدق ، ومع هذا فإنه يستحق المدح على امتناعه من القبيح مع ثبوت الصارف عنه ، وهو الاستغناء بالصدق عنه. فيعلم بذلك أن القديم تعالى يستحق المدح وإذا لم يفعل القبيح ، لأن الحالين واحدة.
قلنا : ومن الذي يسلم لكم أن أحدنا إذا استغنى بالصدق عن الكذب وحاله ما ذكرتم يستحقه بامتناعه من الكذب مدحا ، فدل على ذلك فإنه دعوى منكم ، وهيهات أن يتمكنوا من الدلالة عليه.
ولو جاز أن يستحق مدحا وحاله هذه على امتناعه من القبيح لجاز أن يستحق المدح على امتناعه من القبيح مع الإلجاء ، فأي فرق بين الأمرين والصوارف ثابتة والدواعي مرتفعة، والقطع على أنه لا يجوز أن يفعل القبيح وحاله هذه حاصل على أن أحدنا لو استحق المدح في هذا الموضع ـ وان القول أيضا الأصح