المقدمتين التين منعناهما فلا بد من الرجوع الى الاصول العملية ويمكن دعوى أرجحية التخصيص لا من جهته بل من جهة اخرى فيقال فرق بين التخصيص والنسخ فان فى التخصيص يستهجن خروج اكثر الأفراد بخلاف النسخ فانه لا يستهجن خروج اكثر الأفراد مثلا لو قال المولى اكرم العلماء ثم اخرج منهم فلم يبق إلا اثنين أو ثلاثة استهجن بخلاف ما لو قال أكرم زيدا ونسخه بعد يوم وان لزم خروج اكثر الافراد لظهور القضية في الاستمرار.
وسر الفرق بينهما يحتاج الى بيان مقدمة وهي : أن المتكلم ربما يلقي كلامه بلا غرض له الى قصد معناه بل ألقاه لأجل أن يتلقى السامع منه ويفهم من ظاهر كلامه ويتبع ذلك الظهور وربما يذكر اللفظ ويريد منه المعنى المجازي ويسمى تصرفا في اللفظ وربما يلقى الى المخاطب كلاما لا يعتقده أي المتكلم ولكن انما أتى به والقاه لأجل تصديق المخاطب مثل الأقوال الكاذبة ومثلها صدور الأخبار التي لا يعقل عليهم الكذب فيسمى بالتقية ويسمى تصرفا في الجهة وليس مثل هذا التصرف مستعملا في غير ما وضع له فلم يجز موضوعه الاصلي بل التصرف فى الجهة إذ ظاهر المتكلم أن يكون بصدد بيان حكمه الواقعي فاذا لم يكن كذلك لم يرتكب مجازا والنسخ من التصرف في الجهة فيمكن أن يبرز الحكم بما ظاهره الاستمرار ثم ينسخه وليس فيه محذور ولو كان الخارج بالنسخ اكثر من الداخل وباب التخصيص من التصرف بالدلالة. إذا عرفت أن باب النسخ غير باب التخصيص فاعلم انه فيما لو دار الامر بين النسخ والتخصيص يرجع الدوران الى التصرف في الدلالة أو فى الجهة والمعروف عند الأصحاب تقديم جانب التصرف في الدلالة ولكن اختلفوا فى وجهه فمنهم جعل وجهه شيوع التخصيص وقد عرفت ان ذلك مبنى على مقدمتين ممنوعتين عندنا ومنهم من قال انه كما كانت اصالة