ومن الآيات التي استدل بها على البراءة قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) بتقريب ان المراد من التبين هو الاعلام فلا يعذبهم الا بعد ان يعلمهم فحيث لا اعلام لا عقاب ، ودلالة هذه الآية على البراءة اظهر من دلالة سابقتها اذ دلالة البيان على الاعلام كانت بالدلالة اللفظية ودلالة بعث الرسول عليه انما تكون بالدلالة الالتزامية وبنحو الكناية على ان المراد من «يضل» هو الخذلان الذي هو بمعنى اعظم من العقوبة
__________________
عن نية السيئة فان المخبر به هو العفو عن نية السيئة المجردة عن تعقبها بالسيئة ولا يمكن للعبد التجري على ذلك فان القصد والتجري على النية المجردة لا يعقل اذ لا يتحقق العزم على العزم المجرد. ولكن لا يخفى انه ليس المقصود من العزم المشرف على العمل المتصل به بل المقصود هو العزم المنفصل عنه ولا مانع من كون ذلك هو مما يرغب فيه ويلتذ به بنحو يكون المقصود مستقلا من دون الاتصال بالعمل كما لو قصد المعصية في النهار وتفكر في خصوصياتها بنحو يلتذ بها بل ربما يقال بانه لا تنافي بين الحرمة الشرعية مع اخبار الشارع بالتفضل بالعفو اذ حكم العقل بلزوم اطاعة المولى يمكن ان يكون للحسن الملزم بالاتيان وليس لأجل الفرار من العقاب واما العلم بالعفو في صورة الاخبار بالتفضل لا يرفع الاستحقاق بل يتوقف صدق العفو عليه اذ لا معنى للعفو الا بعد الاستحقاق.
اللهم إلّا ان يقال ان استلزام الاستحقاق انما جاء من جهة التفضل والمنة إلّا انه بعد تحققه قبيح من المولى العود الى العقوبة ، وحينئذ لا يكون العبد مستحقا للعقوبة. والانصاف ان العفو عقيب العمل قبيح ولكن لا قبح فيه بالنسبة الى الاخبار بالعفو او العلم به فيما بعد لكونه كالاخبار بالعفو وعدم التعذيب في يوم القيامة فافهم وتأمل.