عما ذكر يصح الاستدلال للبراءة بقاعدة قبح العقاب من دون بيان ولا يرد على ذلك معارضتها لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل «بل يدعى تقديمها على تلك
__________________
الدفع يلزم ان يحكم العقل باستحقاق العقاب وبعدمه وهو محال ، فلذا لا بد من تقديم احدى القاعدتين على الاخرى ومن الواضح ان قاعدة القبح تقدم على قاعدة وجوب الدفع لان الاولى واردة في ظرف عدم البيان والثانية غير صالحة للبيانية فان الضرر ان كان المراد به هو العقاب فلا يخلو الحال في وجوب دفعه فوجوب دفعه تارة يكون نفسيا واخرى طريقيا وثالثة ارشاديا ، اما كونه نفسيا فباطل إذ عليه يكون العقاب على مخالفته لا على مخالفة التكاليف الواقعية وهو محل منع إذ هذه القاعدة من القواعد الظاهرية التي لا تستتبع العقوبة على مخالفتها وإنما العقوبة على مخالفة التكاليف الواقعية المجهولة او على مخالفتها اذا أدى الى مخالفة الواقع كالامارات والاصول ، على انه لو قلنا بالعقوبة على مخالفة هذا الحكم العقلي يلزم القول بتعدد العقوبة فيما لو كان الاحتمال مصادفا للواقع مع انه لم يلتزم به أحد ، واما كون الوجوب طريقيا فلما عرفت من كونها بيانا يلزم منه الدور الذي هو واضح البطلان فلذا كان المتعين حمل الوجوب في القاعدة على الارشادي وهو لا يترتب على مخالفته شيء غير ما يترتب على مخالفة الواقع المحتمل ومع مجيء قاعدة قبح العقاب من دون بيان يرتفع ذاك الاحتمال ، ومن هنا نقول بورود قاعدة قبح العقاب من دون بيان على قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فعليه هذه القاعدة الثانية تفيد بغير هذا المقام مما كان الواقع منجزا بمنجز كالعلم الاجمالى وغيره.
وبالجملة جعل قاعدة وجوب الضرر المحتمل بيانا مبني على كون الوجوب فيها طريقيا ، وقد عرفت ان ذلك مستلزم للمحال وهو الدور الواضح البطلان فيتعين كون الوجوب ارشاديا فحينئذ يختص جريان قاعدة وجوب الدفع بما اذا كان الواقع