التقاليد متأتّ من ذلك أو أن ذلك من أهم أسبابه. ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن هذا ليس خاصا بالعرب وإنما هو قدر مشترك بين الناس جميعا حيث لا يستسيغ التساهل في التقاليد الموروثة أو تركها إلّا الفئة النيرة الفتية التي تفتحت أذهانها ولم تكن تلك التقاليد راسخة فيها.
ولعل هذا يفسّر لنا حكمة الله عزوجل في اختصاص النبي محمد صلىاللهعليهوسلم بالرسالة ولما يتجاوز سنّ الشباب ، ويفسر لنا كون معظم أفراد الرعيل الأول من السابقين إلى الإسلام هم من زمرة الشباب وغير المتقدمين في السن كأبي بكر وعمر وعثمان وسعد وعلي وأبي عبيدة وجعفر وأبي سلمة وخالد بن سعيد وطلحة والزبير وسعيد وغيرهم وغيرهم رضوان الله عليهم. ولعل بين هذا الذي نقرره في مناسبة الآيتين وبين آيات لقمان ثم بينه وبين تقرير سقوط حق الطاعة على الأبناء إذا ما أرادهم آباؤهم على الشرك مناسبة قوية أيضا. فكثير من أفراد هذا الرعيل من قريش شبّانا وفتيات آمنوا رغم آبائهم بل ومنهم من كان آباؤهم يقودون حملة المعارضة الشديدة ضد النبي صلىاللهعليهوسلم ودعوته. ولقد بقي معظم شيوخ بني هاشم عشيرة النبي صلىاللهعليهوسلم الأقربين على الشرك تمسكا بتقاليد الآباء وفي مقدمتهم أبو طالب عمّه وحاميه وأبو جعفر وعليّ اللذين اتبعا دين ابن عمهم وأسلما في أول الدعوة ، مع أنهم كانوا يعلنون حمايتهم له بدافع العصبية.
وغني عن البيان أن التنديد القرآني بالتمسك بتقاليد الآباء التي لا تستند إلى علم وحق ومنطق يحتوي تلقينا عاما مستمر المدى في صدد تقبيح التمسك بالتقاليد الموروثة تمسكا أعمى والاعتذار بها عن اتباع ما هو الأفضل ، وفي هذا ما فيه من روعة وجلال.
تعليق على جملة
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي
الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً)
وجملة (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ