جاءت الآيات معقبة على ما سبقها لتقرر أن ما كان من اختلاف الناس فيما بينهم إنما كان انحرافا وبغيا منهم ، ولتنذر الذين انحرفوا عن طريق الحق والهدى بعذاب شديد في يوم من الأيام ، ولتتساءل تساؤل المنكر المندد عما إذا كانوا ينتظرون حلول آجالهم حتى يتبعوا الحق الذي ظهر ، مع أن آجالهم لا تحل إلّا بغتة فتكون الفرصة المواتية لهم قد فاتت وصاروا إلى اليوم الموعود الذي ينقلب الأصدقاء فيه إلى أعداء ، وينشغل كل بنفسه ولا ينجو من المصير الرهيب إلّا الذين اتقوا الله واتبعوا طريقه.
والمتبادر أن اختلاف الأحزاب الذي أشارت إليه الآية الأولى هو اختلاف الناس في أمر عيسى ، وأن ما احتوته الآيات بعد ذلك هو استطراد فيه حثّ على التعجيل بالاعتراف بالحق واتباعه ، وإنذار للمهملين المنحرفين ، وتنويه وتطمين للمتقين الذين ساروا في طريق الحق.
ولقد شرحنا في سياق تفسير سورة مريم الاختلافات الكثيرة العجيبة التي كان النصارى عليها في أمر عيسى عليهالسلام فلا نرى حاجة إلى إعادة أو زيادة.
(يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣)) [٦٨ ـ ٧٣]
(١) تحبرون : من الحبور وهو السرور بما يتنعمون به.
في الآيات وصف لما سوف يلقاه المتقون الذين استثنوا في آخر الآية السابقة : فسوف يخاطب الله تعالى الذين آمنوا بآياته وأسلموا نفوسهم إليه