ومن اتّبع هواه وانقاد له على ما يعرف نفع عاقبته عمّا قليل ليصبحنّ من النّادمين.
ألا وإنّ أسعد النّاس في الدّنيا من عدل عمّا يعرف ضرّه ، وإن أشقاهم من اتّبع هواه ، فاعتبروا واعلموا أنّ لكم ما قدّمتم من خير ، وما سوى ذلك وددتم لو أنّ بينكم وبينه أمدا بعيدا ، ويحذّركم الله نفسه والله رءوف ورحيم بالعباد ، وأنّ عليكم ما فرّطتم فيه ، وأنّ الّذي طلبتم ليسير وأنّ ثوابه لكثير ، ولو لم يكن فيما نهي عنه من الظّلم والعدوان عقاب يخاف ، كان في ثوابه ما لا عذر لأحد بترك طلبته ، فارحموا ترحموا ولا تعذّبوا خلق الله ، ولا تكلّفوهم فوق طاقتهم وأنصفوا النّاس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم فإنّكم خزّان الرّعيّة ، لا تتّخذنّ حجّابا ولا تحجبنّ أحدا عن حاجته حتّى ينهيها (١) إليكم ، ولا تأخذوا أحدا بأحد إلاّ كفيلا عمّن كفل عنه ، واصبروا أنفسكم على ما فيه الاغتباط ، وإيّاكم وتأخير العمل ودفع الخير ، فإنّ في ذلك النّدم ، والسّلام (٢).
وحفل هذا الكلام بامور بالغة الأهمّية ، وهي :
١ ـ أنّ الإمام عليهالسلام أوصى عمّال الخراج بتقوى الله تعالى وطاعته ، والاجتناب عن معاصيه ، وممّا لا ريب فيه أنّ من يتّقي الله تعالى فإنّه لا يعتدي ، ولا يظلم ، ولا يقترف إثما ، ويسعد المجتمع في حكمه إذا كان حاكما.
٢ ـ أنّه أمر العمّال بأن لا يكلّفوا الناس فيما يجبونه فوق طاقتهم وعليهم أن يسيروا بين الناس بالمعروف.
__________________
(١) ينهيها : أي يتركها.
(٢) كتاب صفّين : ١٠٨ ، وقريب منه في نهج البلاغة ٣ : ٨٠ ـ ٨١.