فأخفى وضعه ، وقال :
ـ مولى عمر بن الخطّاب.
ـ أين تريد؟
ـ مصر.
ـ ما حاجتك بها؟
ـ أشبع من الخبز فإنّا في المدينة لا نشبع منه.
ـ فرقّ له ـ الزمني فإنّي سأصيبك من الخبز.
ومضى مالك في سفره ، وعميل معاوية ملازم له ، حتى انتهى إلى القلزم (١) ، فنزل ضيفا على امرأة من جهينة فرحّبت به ، وقابلته بمزيد من التكريم ، وسألته أي الطعام أحبّ إليه في العراق حتى تصنعه له ، فقال لها : الحيتان الطرية ، فقدّمت له ما اشتهى فلمّا أكل أصابه عطش شديد فأخذ يكثر من شرب الماء ، فقال له نافع مولى عثمان : إنّ الطعام لا يقتل سمّه إلاّ العسل ، فدعا الأشتر بإحضاره من ثقله ، فلم يكن فيه ، فبادر نافع قائلا : هو عندي ، فقال الأشتر : عليّ به ، فأحضره فتناول منه ، وكان قد دسّ فيه سمّا قاتلا ، ولمّا انتهى إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، وأخذ الموت يدنو منه سريعا ، وطلب الأشتر إحضار نافع فوجده منهزما ، فلم يعثر عليه ، وسرى السمّ في جميع أوصاله ، وقد طوت حياته شربة العسل التي كان يردّدها معاوية « إنّ لله جنودا من عسل » (٢).
لقد انتهت حياة هذا العملاق العظيم الذي جاهد أعداء الله كأعظم ما يكون
__________________
(١) القلزم : مدينة تقع على شفير البحر ليس بها زرع ولا ماء ، يحمل إليها الماء من آبار بعيدة ، وتقع ما بين الحجاز ومصر على ثلاثة أيام منها ـ معجم البلدان.
(٢) مالك الأشتر ـ محمّد رضا الحكيم : ١٧٤ ـ ١٧٥.