وإلاّ تفعل فإنّك من أكثر النّاس خصوما يوم القيامة ، وبؤسى لمن خصمه ـ عند الله ـ الفقراء والمساكين والسّائلون والمدفوعون ، والغارمون وابن السّبيل! ومن استهان بالأمانة ، ورتع في الخيانة ، ولم ينزّه نفسه ودينه عنها ، فقد أحلّ بنفسه الذّلّ والخزي في الدّنيا ، وهو في الآخرة أذلّ وأخزى.
وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمّة ، وأفظع الغشّ غشّ الأئمّة ، والسّلام (١).
وأنت ترى أنّ هذه الرسالة قد حوت جميع مقوّمات الأمانة والإخلاص للرعية ، والعطف على البؤساء والمحرومين ومراعاة حقوقهم ، ولم يرع هذه القيم إلاّ رائد العدالة الاجتماعية في الإسلام إمام المتّقين وسيّد الموحّدين.
ولمّا عزم الإمام عليهالسلام على حرب معاوية أرسل إلى مخنف بن سليم الرسالة التالية يطلب منه أن يكون معه لمناجزة طاغية الأمويّين وهذا نصّها :
سلام عليك ، فإنّي أحمد الله إليك الّذي لا إله إلاّ هو.
أمّا بعد فإنّ جهاد من صدف عن الحقّ رغبة عنه ، وهبّ في نعاس العمى والضّلال اختيارا له ، فريضة على العارفين.
إنّ الله يرضى عمّن أرضاه ، ويسخط على من عصاه ، وإنّا قد هممنا بالسّير إلى هؤلاء القوم الّذين عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله واستأثروا بالفيء ، وعطّلوا الحدود ، وأماتوا الحقّ وأظهروا في الأرض الفساد ، واتّخذوا الفاسقين وليجة (٢) من دون المؤمنين ، فإذا وليّ الله أعظم
__________________
(١) نصّ على ذلك السيّد عبد الزهرة الحسيني ، نقلا عن دعائم الإسلام ١ : ٢٥٢.
(٢) الوليجة : البطانة.