تحصيل العلم الوجداني على الحكم الشرعي ، فليس هناك طولية بين القسم الثاني والقسم الأول بحيث أن الفقيه يجب عليه أن يفحص وييأس من الحصول على قاعدة توجب العلم الوجداني ، وبعد هذا ينتهي إلى الأمارات والحجج ؛ هذا المطلب غير لازم بناء على ما هو المشهور من أن حجية الأمارة غير مشروطة بعدم التمكن من تحصيل العلم.
ثانيا : إنّه إذا كان الملحوظ هو الترتب الطولي بلحاظ عملية الاستنباط فكان لا بد وأن تجعل العلوم التعبدية ـ التي جعلت قسما ثانيا ـ أيضا ذات مراتب ، لأن بعضها مترتب على عدم بعضها الآخر ، إذا كان الملحوظ هو الطولية ، فمثلا العلم التعبدي المعمول في طرق الدلالة مقدم على العلم التعبدي المعمول في طرف السند. وتوضيح ذلك أنه لو كان يوجد عندنا قرآن كريم يكون ظاهره الوجوب ، وعندنا خبر واحد ظني السند ، يكون ظاهره الحرمة ؛ فهنا في القرآن الكريم علم تعبدي في جانب الدلالة ، لأن سنده وجداني ، وفي خبر الواحد علم تعبدي في جانب السند لأنّ سنده ظني ؛ والمختار وفاقا للسيد الأستاذ أن العلم التعبدي المجعول في طرف الدلالة ، مقدّم على العلم التعبدي المجعول في طرف السند.
ولهذا نبني في الفقه أن الخبر الواحد لا يعارضه ظهور الآية الكريمة ، وأن الفقيه يجب عليه أولا أن يعمل بظهور الآية فإن لم يجد ، يرجع إلى ظهور الرواية. إذن فهذا ترتب بين العلم التعبدي المجعول بلحاظ الدلالة والعلم التعبدي المجعول بلحاظ السند ، مع أن هذه الطولية لم تبرز في المقام.
ثم ما ذا يصنع هذا التقسيم مع الاستصحاب؟ مع أن الاستصحاب في طول الأمارات وقبل الأصول ، فكأنه أيضا مرتبة بذاتها بحيث يكون بعد فقد الأمارات ، ويكون مقدّما على أصالة البراءة ، وأصالة الاحتياط ؛ فلو كان الملحوظ هو استيعاب الرتب الطولية والترتب الطولي للقواعد بلحاظ عملية الاستنباط ، إذن لكان من المناسب أن يجعل الاستصحاب مرتبة برأسه أيضا باعتباره حدّا وسطا ومرتبة وسطا في عملية الاستنباط ، فهو بعد الأمارات وقبل الأصول.