ثالثا : إنّ ما فرض من الطولية بين الأصول العملية العقلية ، والأصول العملية الشرعية ، ليس صحيحا على الإطلاق ، فإنّ بعض الأصول العملية العقلية يكون قبل الأصل العملي الشرعي ، لا بعد فقدان الأصل العملي الشرعي :
وتوضيح ذلك ، أنه عندنا أصلان :
أ ـ أصالة البراءة في موارد الشبهة البدوية.
ب ـ أصالة الاشتغال في أطراف العلم الوجداني.
أمّا أصالة الاشتغال ففيها مبنيان ومذهبان :
أ ـ المبنى الأول : أن تكون أصالة الاشتغال التي يحكم بها العقل في أطراف العلم الإجمالي أصلا تعليقيا بمعنى أن العقل يحكم بأصالة الاشتغال معلقا على عدم مجيء الرخصة من قبل الشارع ، فلو جاءت الرخصة من قبل الشارع ، ارتفع موضوع حكم العقل بأصالة الاشتغال التعليقية.
ب ـ المبنى الثاني في أصالة الاشتغال : هو أن العقل يحكم في أطراف العلم الإجمالي بأصالة الاشتغال تنجيزيا لا تعليقيا ، يعني لا بمعنى كونه مشروطا بعدم مجيء الترخيص من قبل الشارع ، بل العقل يحكم بأصالة الاشتغال رأسا وبتّا.
وحينئذ أصالة الاشتغال التعليقية يصح أن يقال بأنها في طول البراءة الشرعية ، وفي طول الأصول الشرعية ، يعني أن الفقيه إن وجد براءة شرعية فلا تصل به النوبة إلى أصالة الاشتغال ، وإن لم يجد براءة شرعية انتهى إلى أصالة الاشتغال. هذه أصالة الاشتغال التعليقية.
وأمّا أصالة الاشتغال التنجيزية ، فهذه مقدّمة على البراءة الشرعية ؛ يعني أن أصالة الاشتغال التنجيزية : أن العقل يحكم بلزوم الاحتياط على كل حال ، ومع حكم العقل بذلك يستحيل جعل البراءة من قبل الشارع ، لأنها تكون مناقضة لحكم العقل. إذن فتكون البراءة الشرعية في طول عدمه ـ لا العكس ، وبهذا يتضح أن الطولية متعاكسة هنا ـ فأصالة الاشتغال التعليقية في طول عدم البراءة