الحجة وهذا يرد بناء على تعديل التعريف في رفع المفارقة السابقة ـ وهذا يستتبع أن يكون ذلك الجعل الشرعي مغايرا مع تلك القاعدة التي وقعت في طريق استنباطه ، وهذا لا يصدق على القواعد الفقهية ، وإنما يصدق على القواعد الأصولية فقط ، كحجية خبر الثقة ، والأصول اللفظية والعملية ، ونحوها ممّا تكون قواعد في طريق استنباط جعول واقعية ، وإلّا فنفس هذه القواعد الشرعية هي جعول ، والمفروض أن تنتج جعولا ، ونوضح ذلك في مثالين للقواعد الفقهية :
المثال الأول :
قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده : فإنها وإن كانت يستفاد منها كبرى الضمان في البيع الفاسد ، لكن هذه الكبرى ليست جعلا آخر استنبط من خلال تلك القاعدة ، وإنما هي نفس تلك القاعدة ، وجزء من مدلولها الضمني أفرزناه بالتحليل والتطبيق على حصص الموضوع ، فلا يصدق عليها أنها قاعدة مهدت لاستنباط جعل آخر ورائها ، كما كان ذلك في المسائل الأصولية.
المثال الثاني :
قاعدة نفي العسر والحرج : فإنها أيضا لا تقع في طريق استنباط جعل آخر ورائها ، وإنما هي بنفسها حكم شرعي كلي مجعول لنفي الأحكام الحرجية ورفعها ، ويستخلص منها بالتطبيق والتحليل لمدلولها الضمني ، حصصا متعددة دون أن تكون تلك الحصص جعولا أخرى يتوصل إلى إثباتها ، أو إقامة الحجة عليها بتلك القاعدة.
نعم ربما تقع هذه القاعدة في طريق إثبات مسألة أصولية كما يستدلّ بها لإثبات البراءة ، وعدم الاحتياط التام على فرض انسداد باب العلم والعلمي ، وحينئذ بهذا اللحاظ تكون في طريق استنباط حكم شرعي لا محالة ، ولا بأس باندراجها في مسائل علم الأصول ، والبحث عنها في مثل ذلك (١).
__________________
(١) وهذا يستدعي منهم أن يبحثوا ضمن مسائل الأصول عن قاعدة نفي العسر والحرج ، بل