هو الحكم التكليفي بوجوب أداء الدين وما اشتغلت به الذمّة. فكما أن المسائل الأصولية تقع في طريق الاستنباط التوسيطي ، كذلك القاعدة الفقهية أيضا ، ولكن الفارق بينهما فارق من ناحية أن المسألة الأصولية تقع في طريق الاستنباط التوسيطي للحكم الشرعي الكلي ، كوجوب السورة مثلا المستنبط من دلالة الأمر على الوجوب ، وأما القاعدة الفقهية فيستنبط منها حكم جزئي ، لأنها تنقح موضوع حكم آخر يثبت بدليله لا بهذه القاعدة. فوجوب وفاء الدين مثلا ، حكم ثابت بدليله ، وقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده لا ينتج أصل هذا الحكم ، وإنما ينتج انطباقها وفعليتها في مصداق ومورد معين وهو البيع الفاسد مثلا.
فإذا اتضح أن الاستنباط التوسيطي على نحوين ، حينئذ نسأل الأستاذ ـ ما ذا يقصد بالاستنباط التوسيطي؟.
فإن كان يقصد ما يعم كلا المعنيين للاستنباط التوسيطي ، إذن فالتعريف شامل للقواعد الفقهية أيضا ، لأنها تقع في مجال الاستنباط التوسيطي بالنحو الثاني.
وإن كان يقصد المعنى الأول من التوسيط خاصة ، كما هو الذي ينبغي أن يلتزم به ، لأنّ المفروض من مسائل علم الأصول استنباط الحكم الكلي لا الجزئي ، فسوف يخرج بعض مسائل الأصول على بنائه عن التعريف ، فمسألة أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده لا يستنبط منها حرمة الضد ـ التي تكون حكما كليا ـ لأنها ليست بحكم فقهي يقبل التنجيز والتعذير ، وإنما النتيجة المترتبة عليها على مباني الأستاذ هي صحة الصلاة وبطلانها ، فإنه على القول بالاقتضاء تقع الصلاة فاسدة فتبطل ، وعلى القول بعدم الاقتضاء تصح.
لكن من الواضح أنّ صحة الصلاة ـ الضد ـ أو بطلانها ، ليس حكما كليا استنبط من قاعدة الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد ، بل الحكم الكلي بالعبادة وشرائطها أمر ثابت بدليله ، وإنما هذه القاعدة الأصولية تنقح موضوع ذلك الحكم والتعبد به مثلا ، فتقع صحيحة ، أو أنها محرمة فتقع فاسدة ، فشأنها شأن القواعد الفقهية التي تقع في مجال الاستنباط التوسيطي بالنحو الثاني.