أن ما هو الجامع المانع بين هذه المقدمات الواقعة ، فاخترعنا هذا الجامع المانع ، كما هو الحال في الضوابط السابقة التي كانت تقول بأن القاعدة الأصولية ما كانت بمفردها تكفي للاستنباط ، أو كانت ناظرة بلسانها للحكم الشرعي. وهذه كلها تجشمات من أجل تحصيل الجامع المانع لتصحيح كلمات الأصوليين في المقام. وإلّا فيبقى هذا السؤال :
إنه ما هي النكتة التي من أجلها اختير خصوص هذه المقدمات دون غيرها من المقدمات؟ تبقى بلا نكتة ، أن القاعدة التي تكفي مع القاعدة التي لا تكفي بمفردها ، أي فرق بينهما من حيث غرض الأصولي بما هو أصولي؟ لما ذا فرق بين هاتين القاعدتين القاعدة التي لها نظر إلى الحكم الشرعي ، وبين القاعدة التي ليس لها نظر إلى الحكم الشرعي؟ بالآخرة لما ذا فرق عالم الأصول ما بينهما ، العضدي والحاجبي مثلا لما ذا فرق ما بين هذين القسمين؟ تلك الضوابط اشتهائية من أجل تصحيح ما وقع لا من أجل توجيه ما وقع.
أمّا الضابط الذي نقول به ، فهو ضابط يصحح ما وقع ، ويوجّه ما وقع ، لأنّ نكتة مناسبات الحكم والموضوع معه. فإنّ علم الأصول أساسا بحسب الحقيقة نشأ في طول علم الفقه ، وفي أول الأمر كان الناس فقهاء ، وكانوا ينظرون فيما إذا كانت القاعدة مناسبة مع المسألة الفلانية ، فيذكرونها في تلك المسألة ، قاعدة من القواعد الاستدلالية في باب المقبوض بالعقد الفاسد ، يذكرونها في المعاملات مثلا ، قاعدة أخرى : إنّ الدليل الذي دلّ على المطهرية هل يدلّ على الطهارة ، أو لا يدلّ؟ وهكذا قواعد من هذا القبيل يذكرونها في مواضعها المناسبة.
وبقي الفقه فقها ، ثم التفتوا إلى أن هناك قواعد ، وهذه القواعد لا مادية ومأخوذة (لا بشرط) من حيث المادة يعني نسبتها إلى تمام أفعال المكلفين منذ ولادة المكلف إلى موته من أول الطهارة إلى آخر الديات على حدّ واحد ـ مثل هذه القواعد أين يضعونها؟.
أيضعونها في المعاملات؟ أو يضعونها في العبادات؟ أو يضعونها في الأحكام والإيقاعات؟ من أجل هذا أفردوها في بحث مستقل باعتبار كونها قواعد