والفلاسفة حينما قالوا : إنّ لكل علم موضوعا ، لم يريدوا أكثر ممّا ذكرناه ، وهذا الشيخ الرئيس يقول في كتابه (منطق الشفاء في المقالة الثانية من باب البرهان) ، بأنه : تارة يكون للعلم موضوع واحد كعلم الحساب الذي موضوعه العدد ، وأخرى يكون له موضوعات متعددة. وهذه الموضوعات المتعددة ، تارة يجمعها جنس واحد ، وأخرى لا يجمعها جنس واحد ، وعلى الثاني تارة تجمعها مناسبة واحدة ، وأخرى لا تجمعها مناسبة واحدة.
ومثال ما يجمعها جنس واحد : الخط ، والسطح ، والجسم ، فإنه يجمعها المقدار.
ومثال ما لا يجمعها جنس واحد ، ولكن تجمعها مناسبة واحدة : النقطة ، والخط ، والسطح ، والجسم ، فإن النقطة ليست مقدارا ، ولكن يصح أن تجعل هذه الأربعة موضوعا لعلم واحد باعتبار أن نسبة النقطة إلى الخط هي نسبة الخط إلى السطح ، ونسبة الخط إلى السطح نسبة السطح إلى الجسم.
ومن هنا نلاحظ أن الفلاسفة حينما أسسوا هذه القاعدة ، وهي : إن لكل علم موضوعا ، لم يريدوا ما وقع في خيال الأصوليين ، واضطرهم إلى الإشكال والجواب ، وإقامة البراهين على الاستحالة والنفي ، وإنما كان مرادهم شيئا يكفي مجرد تصوره للتصديق به ، وهو أنه لا بد لكل علم ما دام علما واحدا من محور ، وهذا المحور إما أن يكون منتزعا بلحاظ موضوعات مسائل ذلك العلم ، أو بلحاظ محمولات مسائله ، أو بلحاظ الغرض من هذه المسائل ، وهذا المحور هو موضوع العلم.