وإذا اتضح كل الذي قدمناه يتضح الجواب عن الإشكالات التي أثيرت في المقام ـ وإنما أتينا على ذكر ما تقدم من اعتبار المنشئية بلحاظات الموضوع المختلفة ، باعتبار كونه علة مادية وفاعلية وغائية ، لأن هناك من أنكر وجوب البحث عن العوارض الذاتية للموضوع كالمحقق الأصفهاني حيث قال (١) : لما ذا يجب أن يبحث في العلم عن العوارض الذاتية لموضوع ذلك العلم ، وأنكر وجوب ذلك في العلم. وكذلك السيد الأستاذ ـ دام ظله ـ ذكر أنه لا يلزم أن يبحث في العلم عن العوارض الذاتية لموضوع العلم (٢) ، بل ولا لموضوع المسألة نفسها أيضا ، ويمكن عقد مسألة يكون محمولها عرضا غريبا لموضوعها ويبحث عنه ولا مانع من ذلك.
هذا الكلام جوابه يتضح في مجموع أمرين :
أ ـ هو أن المقصود من الذاتية في العوارض الذاتية هو في المنشئية والعلية كما أوضحناه.
ب ـ هو أن أولئك الذين قالوا بشرط أن يبحث في العلم عن العوارض الذاتية ، يقصدون بذلك البحث البرهاني خاصة ـ يعني حينما يراد أن يكون العلم علما برهانيا لا بد أن يكون البحث عن العوارض الذاتية ، لا أنه كلما وقع بحث ، ولو بنحو الجدل ، أو الخطابة ، أو السفسطة ، لا بد وأن يكون البحث بحثا عن العوارض الذاتية. بل كلما أريد العلم الحق ، وهو العلم البرهاني في نظر المنطق الأرسطي ، حينئذ لا بد وأن يكون البحث بحثا عن العوارض الذاتية.
إذا اتضح ما هو مقصودهم في المقام ، حينئذ يمكن توجيهه وذلك بأن العلم بثبوت المحمول للموضوع يكون على نحوين :
النحول الأول : أن نعلم بثبوت المحمول للموضوع ، ولكن مع العلم باستحالة أن لا يكون ثابتا له. مثلا : نعلم بأن زيدا فقير ، لكن لا نعلم بأن زيدا
__________________
(١) نهاية الدراية : مجلد ١ ص ٣.
(٢) أجود التقريرات هامش ص ٥ ـ ٦.