ليس عليهم استئذان في دخول بيوتهم. إلا أن هذا الظاهر يصح حمله على الزوجة. لأنه يجوز بين الزوج وزوجته من الأحوال ما لا يجوز لأحد غيرهما ، ومع ذلك فإنه ينبغي أن يشعر الرجل زوجته بقدومه ، حتى لا يفاجئها بما تكره له أن يطلع عليه.
ورحم الله الإمام ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهذه الآيات : وهذا ـ أى عدم الاستئذان على الزوجة ـ محمول على عدم الوجوب ، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به ، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها .. ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنه نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا (١).
وأما بالنسبة لغير زوجته ، كأمه ، وأخواته ، وبنيه وبناته البالغين ، فإنه يلزمه أن يستأذن عليهم ، لأنه إن دخل عليهم بدون استئذان ، فقد تقع عينه على ما لا يصح الاطلاع عليه.
ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى. ما أخرجه مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار ، أن رجلا قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : أأستأذن على أمى؟ قال : «نعم قال : ليس لها خادم غيرى ، أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال صلىاللهعليهوسلم أتحب أن تراها عريانة؟ قال : لا .. قال : فاستأذن عليها» (٢).
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع : كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم ، لم يدخل عليه إلا بإذن.
٦ ـ وردت أحاديث متعددة في كيفية الاستئذان ، وفي التحذير من التطلع إلى بيوت الغير بدون إذن.
فمن آداب الاستئذان أن لا يقف المستأذن أمام الباب بوجهه. ولكنه يجعل الباب عن يمينه أو عن يساره ، ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما أخرجه أبو داود عن عبد الله بن بشر قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أتى باب قوم ، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول : السلام عليكم.
كذلك من آداب الاستئذان أن لا يقول المستأذن «أنا» في الرد على رب المنزل ، وإنما يذكر اسمه ، ففي صحيح البخاري عن جابر قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم في دين كان على أبى ، فدققت الباب ، فقال : من ذا؟ قلت : أنا. فقال : أنا ، أنا ، كأنه كرهها» (٣).
ولعل السر في النهى عن الرد بلفظ «أنا» أن هذا اللفظ يعبر به كل واحد عن نفسه ، فلا تحصل به معرفة شخصية المستأذن ، والمقصود بالاستئذان الإفصاح لا الإبهام.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٠.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٢١٩.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٨.