بالعقائد والعبادات والمعاملات ، وإن اختلفت في الأحكام الفرعية.
وقرأ بعض القراء السبعة : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ.). بفتح الهمزة ، على أن الآية من جملة ما خوطب به الرسل.
والتقدير : واعلموا ـ أيها الرسل ـ أن ملتكم وشريعتكم ، ملة واحدة ، وشريعة واحدة في عقائدها وأصول أحكامها.
(وَأَنَا رَبُّكُمْ) لا شريك لي في الربوبية (فَاتَّقُونِ) أى : فخافوا عقابي ، واحذروا مخالفة أمرى ، وصونوا أنفسكم من كل ما نهيتكم عنه.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك حال المصرين على كفرهم وضلالهم من دعوة الرسل عليهم ـ الصلاة والسلام ـ فقال :
(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ)(٥٦)
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَتَقَطَّعُوا) لترتيب حالهم وما هم عليه من تفرق وتنازع واختلاف ، على ما سبق من أمرهم بالتقوى ، واتباع ما جاءهم به الرسل.
وضمير الجمع يعود إلى الأقوام السابقين الذين خالفوا رسلهم ، وتفرقوا شيعا وأحزابا.
وقوله (زُبُراً) حال من هذا الضمير. ومفردة زبرة ـ كغرفة ـ بمعنى : قطعة. والمراد به هنا : طائفة من الناس. والمراد بأمرهم : أمر دينهم الذي هو واحد في الأصل.
أى : أن هؤلاء الأقوام الذين جاء الرسل لهدايتهم ، لم يتبعوا دين رسلهم بل تفرقوا في شأنه شيعا وأحزابا ، فمنهم أهل الكتاب الذين قال بعضهم : عزير ابن الله ، وقال بعضهم : المسيح ابن الله ، ومنهم المشركون الذين عبدوا من دون الله ـ تعالى ـ أصناما لا تضر ولا تنفع ، وصار كل حزب من هؤلاء المعرضين عن الحق ، مسرورا بما هو عليه من باطل ، وفرحا بما هو فيه من ضلال.
والآية القرآنية بأسلوبها البديع ، تسوق هذا التنازع من هؤلاء الجاهلين في شأن الدين الواحد ، في صورة حسية ، يرى المتدبر من خلالها ، أنهم تجاذبوه فيما بينهم ، حتى قطعوه في أيديهم قطعا ، ثم مضى كل فريق منهم بقطعته وهو فرح مسرور ، مع أنه ـ لو كان يعقل ـ لما