أخذ عليهم صالح العهود والمواثيق ، لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به ، فأنعموا بذلك ـ أى : قالوا نعم ـ فقام نبي الله صالح فصلى ، ثم دعا ربه أن يجيبهم على سؤالهم ، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها. عن ناقة عشراء. على الصفة التي وصفوها. فآمن بعضهم وكفر أكثرهم» (١).
والمعنى : قال لهم صالح ـ عليهالسلام ـ بعد أن طلبوا منه معجزة تدل على صدقه : هذه ناقة (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أى : لها نصيب معين من الماء ، ولكم نصيب آخر منه ، وليس لكم أن تشربوا منه في يوم شربها. وليس لها أن تشرب منه في يوم شربكم ، واحذروا أن تمسوها بسوء ـ كضرب أو قتل ـ فيأخذكم عذاب يوم عظيم.
ووصف اليوم بالعظم لعظم ما يحل فيه من عذاب ينزل بهم إذا مسوها بسوء ولكن قومه لم يفوا بعهودهم (فَعَقَرُوها) أى : فعقروا الناقة التي هي معجزة نبيهم. وأسند العقر إليهم جميعا. مع أن الذي عقرها بعضهم ، لأن العقر كان برضاهم جميعا ، كما يرشد إليه قوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) (٢).
وقوله (فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) بيان لما ترتب على عقرهم لها. وندمهم إنما كان بسبب خوفهم من وقوع العذاب عليهم بسبب ذلك ، ولم يكن بسبب إيمانهم وتوبتهم. أو أن ندمهم جاء في غير أوانه ، كما يشعر بذلك قوله ـ تعالى : (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) أى أن العذاب نزل بهم في أعقاب عقرهم لها ، بدون تراخ أو إمهال ، وكان عذابهم أن أخذتهم الرجفة وتبعتها الصيحة التي صاحها بهم جبريل فأصبحوا في ديارهم جائمين ، ثم يجيء التعقيب السابق : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
ثم جاءت بعد ذلك قصة لوط. مع قومه ، فقال ـ تعالى ـ :
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٦٦.
(٢) سورة القمر الآية ٢٩.