وقوله ـ تعالى ـ : (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) أى : أخرجنا بسرعة من كل أمة من الأمم شهيدا يشهد عليهم ، والمراد به الرسول الذي أرسله ـ سبحانه ـ إلى تلك الأمة المشهود عليها. (فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أى : فقلنا لهؤلاء المشركين ـ بعد أن شهد عليهم أنبياؤهم بأنهم قد بلغوهم رسالة الله ـ قلنا لهم : هاتوا برهانكم وأدلتكم على صحة ما كنتم عليه من شرك وكفر في الدنيا : والأمر هنا للتعجيز والإفضاح.
ولذا عقب ـ سبحانه ـ عليهم بقوله : (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) أى : فعجزوا عن الإتيان بالبرهان ، وعلموا أن العبادة الحق إنما هي لله ـ تعالى ـ وحده. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أى : وغاب عنهم ما كانوا يفترونه في حياتهم ، من أن معبوداتهم الباطلة ستشفع لهم يوم القيامة.
وبعد هذا البيان المتنوع عن دعاوى المشركين والرد عليها ، وعن أحوالهم يوم القيامة ، وعن أحوال المؤمنين الصادقين .. بعد كل ذلك ، ختم ـ سبحانه ـ قصة موسى ـ عليهالسلام ـ التي جاء الحديث عنها في كثير من آيات هذه السورة ـ ختمها بقصة قارون الذي كان من قوم موسى ـ عليهالسلام ـ فقال ـ تعالى ـ :
(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ