قصصا عجيبة ، من أخبار السابقين الذين خلوا من قبلكم ، لتهتدوا بها فيما يقع بينكم من أحداث.
فمثلا : لا تتعجبوا من كون عائشة ـ رضى الله عنها ـ قد اتهمت بما هي منه بريئة. فقد اتّهمت من قبلها مريم بالفعل الفاضح الذي برأها الله تعالى منه ، واتهم يوسف ـ عليهالسلام ـ : بما هو منه برىء ، وألقى في السجن بضع سنين مع براءته.
فيوسف ومريم وعائشة ، قد برأهم الله ـ تعالى ـ مما رموا به ، وكفى بشهادة الله شهادة.
وقوله (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أى : وجعلنا هذه الآيات التي أنزلنا إليكم موعظة يتعظ بها المتقون ، الذين صانوا أنفسهم عن محارم الله ، وراقبوه ـ سبحانه ـ في السر والعلن ، فانتفعوا بها دون غيرهم من المفسدين والفاسقين.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد وصف الآيات التي أنزلها على عباده المؤمنين بثلاث صفات. وصفها ـ أولا ـ بأنها بينة في ذاتها أو مبينة لغيرها ، ووصفها ـ ثانيا ـ بأنها مشتملة على الأمثال العجيبة لأحوال السابقين ، ووصفها ـ ثالثا ـ بأنها موعظة للمتقين الذين تستشعر قلوبهم دائما الخوف من الله ـ تعالى ـ.
وما ذكره الله ـ تعالى ـ قبل هذه الآية من آداب وأحكام يتناسق مع التعقيب كل التناسق ، ويتجاوب معه كل التجاوب.
وكيف لا يكون كذلك ، والقرآن هو كلام الله الذي أعجز كل البلغاء والفصحاء ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
* * *
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك ، إلى الحديث عن جلال الله ـ تعالى ـ ونوره وعظمته وعن بيوته التي أذن لها أن ترفع ، وعن الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن طاعته وتقديسه ، وعن الجزاء الحسن الذي أعده الله ـ سبحانه ـ لهؤلاء الأخيار ، فقال :
(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ